n ضعف الصداقة هذا في أحد أشكاله الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية في مناطق الصخور الرسوبية، هذا جوهر الحديث عن هذه الصداقة، حيث تعتلي بيشة حوض الصخور الرسوبية، تطل عليها من مكان مرتفع، هذا إن تخيلنا الوضع الجيولوجي لموقع بيشة في الدرع العربي ذي الصخور النارية الصلدة، مقارنة مع موقع حوض الصخور الرسوبية ذات المسام، والممتدة شرقا حتى الأحساء، مرورا بهضبة نجد في الوسط. هذه الصخور تشكل ثلثي مساحة المملكة، وهي الوعاء الحامل للمياه الجوفية الإستراتيجية غير المتجددة في المملكة حفظها الله.
n يطل موقع بيشة جيولوجيا على مناطق الصخور الرسوبية، وقد كانت بحرا ضحلا قبل (600) مليون سنة. هذا يعني أن بيشة المرتفعة كانت تعج بشلالات مياه أمطار الدرع العربي، وتصب في هذا البحر وتغذيه عبر ملايين السنين. لكن هذا البحر (اندفن) وتحول إلى موطن للصخور الرسوبية، التي نعيش على سطحها. مع هذا الدفن لم يتوقف دور بيشة كموقع لشلالات المياه، بل استمر ينقل مياه الأمطار، خلال العصور المطيرة وحتى اليوم، بطريقتين: الأولى عبر الأودية على سطح الأرض، حيث تنتقل إليها مياه سيول أمطار الدرع العربي. الطريقة الثانية عبر مسارب أرضية جيولوجية، حيث تنساب المياه الجوفية المتجمعة في تربة جبال الدرع العربي إلى مناطق الصخور الرسوبية بفعل ميول الأرض من الغرب إلى الشرق. وهذه عملية غير مرئية، ولأننا لا نحس بها لا نعيرها أي اهتمام وأهمية.
n بالسحب الجائر من مناطق الصخور الرسوبية، والتي تجاوزت أكثر من (700) مليار متر مكعب في أقل من عقدين، وفي ظل ندرة مياه الأمطار تأثرت مناسيب المياه الجوفية في جميع مناطق المملكة. فكان هذا الاستنزاف أحد المؤشرات على هبوط مناسيب المياه الحاد، وجفاف جميع العيون الفوارة المشهورة في زمن لم يتجاوز عقدا من الزمان في بعض المواقع.
n لذلك الاستنزاف الجائر نتائجه السلبية على عموم المناطق. في أحد مؤشراته هبوط مناسيب المياه الحاد في المناطق المحيطة بمناطق السحب الجائر، منها محافظة بيشة الأقرب. وقد تزامن السحب الجائر مع مشاريع السدود في الأودية الشرقية بمناطق الدرع العربي، ليزيد الطين بلة. حيث حجزت مياه السيول في أحواضها، وبذلك منعت مسيرتها الطبيعية شرقا لتغذية المياه الجوفية، لكن ماذا عن مخزون المياه الجوفية في الدرع العربي نفسه؟
n الاستنزاف الجائر في مناطق الصخور الرسوبية سحب المخزون الإستراتيجي من المياه الجوفية في مناطق الدرع العربي، والمتراكم عبر ملايين السنين، وكان يشكل موردا لتغذية المياه الجوفية الإستراتيجية غير المتجددة.
n هكذا بتصرفاتنا الاجتهادية أوقفنا جميع أشكال تغذية المياه الجوفية في مناطق الصخور الرسوبية، وجففنا أيضا منابع التغذية. كنتيجة ساد النضوب والعطش البيئي الذي نعيش. ويستمر الحديث بعنوان آخر هو التاسع والأخير.
@DrAlghamdiMH