[email protected]
الصراع القائم الآن على ساحتنا الثقافية العربية بين التراث والمعاصرة ليس جديدا في حد ذاته كما يتبادر إلى بعض الأذهان، وإنما بدأ تحديدا مع حملة نابليون بونابرت، أي أنه بدأ مع حملة الغزو الثقافي لعالمنا العربي، وهذا يعني أن القضية بدأت تطفو على سطح ساحتنا الثقافية العربية منذ أوائل القرن التاسع عشر، وبقيت عائمة منذ ذلك التاريخ دون حسم، فهي تغلغلت إذن مع الغزو الأوروبي لعالمنا في خضم تلك الحملة، وبقيت حتى الآن بين مد وجزر، فلا هي اختفت مع اختفاء الأشكال الاستعمارية، التي خيمت على بعض دولنا العربية زمنا، ولا هي أثبتت وجودها كظاهرة أدبية تستحق تمحيصا وغربلة ودرسا، فصحيح أن تلك الحملة أحدثت هزة عنيفة في واقع فكرنا العربي، ودفعت شعوبنا إلى التساؤل عن الأسرار الكامنة وراء التقدم المذهل، الذي وصلت إليه دول الغرب، ولكنه كان تساؤلا حذرا للغاية بطريقة أدت إلى عدم مجاراة أوساطنا العربية الفكرية لمجريات الأحداث الثقافية في الغرب.
وهذا الصراع بين التراث والمعاصرة أدى إلى انقسام ساحتنا العربية الثقافية إلى قسمين: أحدهما ينادي بضرورة التمسك بالتراث، وما خلفه لنا الأجداد دون محاولة التأثر بأي جديد طارئ، والقسم الآخر ينادي بضرورة الانفتاح على مدارس الغرب وتقليد مناهجها على اعتبار أنها مناهج تدعو إلى حرية الفكر وتقدم الرأي، وأنا أنادي هنا بضرورة المزاوجة بين التراث والمعاصرة بطريقة لا يطغى فيها أصحاب هذا الرأي على ذاك، فننقل ما لدى الثقافة الغربية من أفكار بناءة وإيجابية لا تتناقض مع تقاليدنا الأدبية العربية، ونتمسك في الوقت ذاته بتراثنا العربي الأصيل.
[email protected]
[email protected]