اكتشاف الذات وتغيير اتجاه البوصلة
ذكر مستشار تطوير الذات والمختص الاجتماعي عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية د. طلال أبا ذراع أن عدم الظفر بمقعد جامعي للطالب في عام التخرج من مسببات التوتر لدى الكثير من الشباب ولكنه ليس نهاية الدنيا.
وأضاف إن البعض من فتياتنا وشبابنا عندما لا يجدون بغيتهم في الحصول على القبول المباشر لتخصصاتهم المنشودة ربما ينتابهم بعض الإحباط ويستسلمون للمشاعر السلبية، التي لن تساعدهم، بل تجعلهم عرضة للهشاشة النفسية والأمراض الاكتئابية العصرية، لذا يؤكد علماء تطوير الأفراد وخبراء التنمية البشرية أن هذه الفترة فرصة وليست عثرة! بل بوابة لاكتشاف الذات واكتساب الخبرة، واستكمال القدرات وتعزيز ما ينقصك من مهارات.
ووجه أسر الخريجين بأهمية توفير الدعمين النفسي والمعنوي لشبابها وفتياتها ومراعاة المعززات العشرة لكل خريج وهي تجنب الضغط النفسي المبالغ فيه على الخريج وبث روح الإيجابية والتفاؤل واستثمار المرحلة بالالتحاق بالدورات التدريبية المباشرة أو الكورسات التعليمية المتخصصة عن بُعد والالتحاق بالمجالات التطوعية لإكساب الخريجين قيم العطاء والصبر والتواصل والبحث عن تخصصات بديلة عن تلك المفضلة حسب المتاح فيما يتناسب مع رغباتهم الدراسية وقدراتهم الذهنية والمالية والفرص الوظيفية المستقبلية.
وقال إنه لا بأس بتغيير اتجاه البوصلة للوصول إلى الوجهة عبر طرق مختلفة للنجاح وتجربة الوظائف الجزئية المؤقتة أو الموسمية والاستفادة من برامج الدعم الحكومية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة فيما يجيده الشاب والفتاة، إضافة إلى التواصل الأسري المتبادل مع الخريج والقيام بالمهام المنزلية معا للمحافظة على الأمان النفسي وممارسة الرياضات المختلفة وتحديث الخطط السابقة لتتضمن مجالات مختلفة وجامعات بعيدة وتخصصات جديدة وتعلم لغة أجنبية جديدة وتعزيز اللغة الإنجليزية. وأضاف إن بعض الشبان والفتيات وصلوا القمم بعلو الهمم وحصدوا النجاحات بدون التخرج في الجامعات.
مواكبة التخصصات الجديدة
قالت المستشار النفسي ورئيس قسم تطوير الذات بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، د. عبير رشيد إن مرحلة الثانوية العامة من المراحل المهمة والحاسمة في حياة الطالب، إذ إنها الجسر الذي يقودهم إلى مستقبلهم المهني، ولهذا السبب ارتبط قلق المستقبل المهني بهذه المرحلة ارتباطا ملحوظا، وأصبح داء يعاني منه الأبناء والآباء على حد سواء، وذلك بتعزيز المجتمع لفكرة أن لا مستقبل لمَنْ لا جامعة له.
وأضافت إن هذه الفكرة كانت هي السائدة في السابق، وكان الخوف من الفشل المهني لمَنْ لم يحظ بقبول جامعي، حتى جاءت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتكون منهجا واضحا وخارطة الطريق للعمل الاقتصادي والتنموي للسنوات المقبلة. وأوضحت أن هذه الرؤية كشفت عن عدد التخصصات، التي يحتاجها سوق العمل السعودي في العديد من القطاعات منها: الاتصالات وتقنية المعلومات، قطاع التجزئة والمشاريع والمنشآت الصغيرة، قطاع النقل والمواصلات والخدمات اللوجيستية، القطاع المالي والاقتصادي، القطاع التعليمي، قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، قطاع التعدين، قطاع السياحة، الرياضة والترفيه، القطاع الطبي والصحي، القطاع العسكري، قطاع التنمية الاجتماعية والعمل التطوعي.
وذكرت أن رؤية المملكة 2030 يسرت أكثر من طريق للوصول إلى المهن المستقبلية، التي يحتاجها سوق العمل السعودي، مراعية بذلك القدرات والإمكانات المختلفة للطلبة، ولم تقتصر على الجامعات فحسب حيث إن الكثير من هذه التخصصات يمكن الحصول عليها من خلال المؤسسات العامة للتدريب المهني والكليات التقنية المعتمدة، بل إن بعضهم تفردوا بتخصصات ليست متاحة في كثير من الجامعات السعودية مثل تخصص إدارة اللوجيستيات وسلاسل الإمداد، وكذلك دبلوم التعدين بنظام التدريب المنتهي بالتوظيف، الذي يشرف عليه المعهد السعودي التقني للتعدين.
وأوضحت أن للأسرة دورا كبيرا جدا في احتواء الأبناء، الذين لم يتمكنوا من الحصول على قبول جامعي بعد التخرج في المرحلة الثانوية، من خلال توجيه الأبناء إلى المجالات الأخرى المتنوعة المذكورة سابقا، بدلا من ربط المستقبل المهني بالقبول الجامعي فقط أو إلقاء اللوم عليهم والإنقاص من ذواتهم، فقد يكون عدم قبولهم في الجامعات مسألة قدرات وإمكانات وقد يبدعون ويتفردون ويتميزون في مجالات أخرى مهنية تخلق لهم مستقبلا فريدا لم يحظ به خريجو الجامعات، فليست الجامعات فقط بوابات النجاح وسوق العمل المهني يشهد بذلك. وأكدت ضرورة الاطلاع الدقيق على مجالات التخصص المطلوبة في رؤية المملكة 2030، وتحفيز الأبناء على الاطلاع عليها لاختيار ما يناسب منها مع رغباتهم وقدراتهم وإمكاناتهم، والأهم ألا يكون اللا شيء هو بديل القبول الجامعي لما له من تأثير سلبي على الطلبة من الناحية النفسية، حيث يعزز لديهم الشعور بالنقص والإحباط الذي قد يتسبب ببعض الاضطرابات النفسية في المستقبل، مختتمة بالقول «الأبواب مفتوحة فلا باب واحد للنجاح في هذه الحياة».
الاحتواء والبحث عن البديل المناسب
قال المختص الاقتصادي خالد الدوسري إن برامج التعليم الجامعي تتطور بسرعة تفوق تطوير البرامج في مراحل التعليم العام، وهذا يحدث فجوة كبيرة بين المستوى العلمي للالتحاق بالجامعة، وبين المستوى الذي تنتجه برامج التعليم العام، كما أن محدودية الجامعات كان له الأثر الملموس في عدم التحاق معظم خريجي الثانوية بالجامعات.
وأضاف «هنا يأتي دور وزارة التعليم العالي بالسماح لفروع الجامعات العالمية وتسهيل الإجراءات لفتح فروعها في المملكة في ظل محدودية المقاعد المتاحة في الجامعات من خلال الإنفاق على التعليم العالي كاستثمار بعائد مستقبلي في ظل تحولات الاقتصاد نحو المعرفة وما يترتب عليها من تطوير المهارات والخبرات»، وأشار إلى أن هذه الخطة تساهم في النمو الاقتصادي ونصيب الفرد في الدخل وإحداث تحولات اقتصادية مهمة.
تحولات بعائد اقتصادي
يقول ريان البكري إنه من الحلول لمواجهة البطالة تنمية وعي الشباب والفتيات في وقت مبكر بأهمية العمل الحر، وأن المؤهل الجامعي ليس لازما في كل الأحوال للتقوقع في دائرته، فمتى ما انطلق المتخرج في جامعته بمدارك أوسع وشعور أعمق بقدراته، التي تتجاوز تخصصه الجامعي، يمكنه اقتناص الفرص والأفكار الاستثمارية في السوق وعدم اقتصار ذلك على نوع معين من التأهيل أو التخصص.
وأكد أن للوعي الأثر الكبير في نجاح الشاب وقدرته على منافسة الوافد من جهة، وعلى كسب ثقة مجتمع الأعمال من جهة أخرى.
توعية بأهمية العمل الحر
قال عميد القبول والتسجيل بجامعة الطائف د. وصل الله السواط إن الجامعة شهدت هذا العام زيادة بنسبة 30 % في الكليات الصحية، وذلك استجابة من الجامعة لتقديم كفاءات وطنية ورفد سوق العمل بالتخصصات المطلوبة في المحافظة، التي تشهد إقبالًا كبيرًا من قبل خريجي الثانوية العامة.
وأضاف إن هذه الزيادة المحسوبة تأتي وفق معايير مهمة تشمل مراعاة جودة التدريب وتوافر أماكن التدريب في المحافظة، مشيراً إلى أن الجامعة أعلنت مؤخراً نتائج القبول للعام الجامعي القادم 1443هـ للطلاب والطالبات بمرحلتي البكالوريوس والدبلوم في مختلف التخصصات بكليات الجامعة والمحافظات التابعة لها، والبالغ عددهم 13579 طالبا وطالبة، وجاء ذلك بعد الفرز الآلي النهائي وفق معايير القبول، التي وضعتها الجامعة.
وبيَّن أنه في مرحلة تالية وبناء على توجيهات وزير التعليم بزيادة أعداد مقاعد القبول، فقد وجه رئيس الجامعة بزيادة أعداد المقاعد في جميع تخصصات الجامعة وجميع فروعها، وبناء على ذلك رفعت عمادة القبول والتسجيل أعداد المقاعد المخصصة للقبول في الجامعة، التي بلغت 944 مقعدا للطلاب و1123 للطالبات، وقد تضمنت الزيادة ترقية قبول 2214 طالبا و1994 طالبة في مرحلة البكالوريوس بناء على ترتيب رغباتهم، كما تمت ترقية 288 طالبا و449 طالبة من مرحلة الدبلوم إلى مرحلة البكالوريوس، ليصبح عدد نسبة الزيادة في درجة البكالوريوس 18 % إضافة للزيادة الأولى.
زيادة أعداد مقاعد القبول
قال المختص التقني م. بندر الحديثي إن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني منوطة بالتخصصات التقنية والتدريب عليها من تقنية إدارية وتقنية حاسب وتقنية كهربائية وميكانيكية ومعمارية وغيرها من تخصصات يتطلبها سوق العمل بشكل كبير، مشيرا إلى أن المؤسسة تعمل بشكل مباشر مع القطاع الخاص لتلبية احتياجاتهم، ويستطيع خريجو الثانوية العامة التسجيل بأي من التخصصات من خلال القبول الموحد للجامعات والكليات.
وأضاف إن هناك مبادرات رائعة تمت بين التدريب التقني والتعليم العام بإتاحة مواد عملية اختيارية يمكن لطلاب الثانوي التطبيق عليها فصل دراسي كامل، ومن ذلك يتعرف عن قرب على التخصص الذي يرغب به قبل تخرجه، إضافة إلى التنسيق المستمر بين الثانويات والكليات في الزيارات وتعريف طلاب الثانوية العامة في شتى التخصصات التقنية من خلال جولات ميدانية. ولفت إلى أنه في حال لم يوفق أي خريج في الالتحاق بإحدى الكليات والانطلاق في التخصص، الذي يرغب به، فهناك المعاهد الصناعية الثانوية التي تقدم برامج تدريبية في تخصصات مهنية يستطيع من خلالها الشاب اكتساب مهارة في التخصص الذي يرغب به والتي تمكنه من الدخول لسوق العمل مباشرة أو تطوير ذلك بمواصلة التدريب في الكليات، حيث أيضا تم إيجاد مسارات في نفس التخصص بحيث تكون هذه البرامج داعمة لهم، ومن جهة أخرى أيضا لهذه الثانويات الصناعية أنها ترحب بالطلاب حتى مَنْ لم يستطع التخرج في الثانوية بمواصلة الثانوية بتخصص مهني وفيه يتم احتساب ما أتم دراسته في الثانوية، ويكتسب مهارات عملية في التخصص، الذي يرغب به.
فتح الباب للتدريب المهني والتقني
يرى تركي بن فيصل أن هناك تباطؤا بالجامعات عن مواكبة التخصصات الجديدة بسبب المعايير الأكاديمية، التي لا تستجيب بطبيعة الحال لافتتاح تخصصات وأقسام مهنية حديثة بذات السرعة والمرونة التي تفرضها الأسواق، وبالتالي تجد الطالب على -سبيل المثال- يختار تخصصاً جامعياً يحظى بطلب عالٍ في السوق في حينه وما أن يتخرج الطالب بعد أربع أو خمس سنوات إلا ويجد السوق قد اكتفى أو اتجه الطالب إلى تخصصات أخرى.
وأشار إلى أهمية تعزيز دور المعاهد المهنية والكليات المتوسطة، التي تختصر الزمن وتوفر الجهد والتكاليف وتقلل على المتدرب حجم الأعباء التعليمية والنظرية وتكرس وقته للتدرب على المهن الدقيقة، التي ينتظرها القطاع الخاص.