يشتكي البعض من عدم تقدير عائلته أو مجتمعه الصغير لإبداعه، وقد يتطور الأمر لأن يعتقد أن العائلة والمجتمع يتآمرون عليه، وقد تستفحل الحالة لتصل إلى تحطيم طموحاته وتوقف مسيرة نجاحه.
ما يجب أن ندركه ونتعايش معه – إن كنا نريد النجاح- أن عدم أو لنقل ضعف إطراب المزمار لأهله هو الأمر الطبيعي، وأن أزهد الناس بالعالم أهله ومحبوه، وهذه المشكلة ليست جديدة، ولنا في أنبياء الله "صلوات الله وسلامه عليهم" شواهد، فقد عاشوا في حرب وتكذيب واتهامات من قبل أقوامهم، مع أنهم جاءوا بالخير والمجد لأقوامهم والبشرية أجمع، وفي أدبنا قصة حول هذا الموضوع، ذكرها جمال الدين القفطي في كتابه إنباه الرواة على أنباه النحاة، حيث كتب: أن أبا جعفر النحاس النحوي المصري الذي كان من أهل العلم بالفقه والقرآن، وله مصنفات في القرآن، منها كتاب "الإعراب"، وكتاب "المعاني"، وهما كتابان جليلان أغنيا عما صنّف قبلهما في معناهما، وله كتاب اشتقاق أسماء الله "عز وجل"، وتفسير أبيات كتاب سيبويه، ولم يسبق إلى مثله، وكل مَن جاء من بعده استمد منه، ذُكر أنه جلس على درج المقياس بمصر على شاطئ النيل وهو في مدّه وزيادته، ومعه كتاب العروض، وهو يقطّع منه بحرًا، فسمعه بعض العوام، فقال: هذا يسحر النيل، حتى لا يزيد، فتغلو الأسعار، ثم دفعه برجله في الماء، فذهب العالم أبو جعفر في المدّ، ولم يوقف له على خبر".
عالم مميز ومؤثر تذهب حياته بدفعة من جاهل، وحيث إن مبدعينا ومفكرينا لم تذهب حياتهم –ولله الحمد- كما ذهبت حياة أبي جعفر النحّاس، عليهم أن يحمدوا الله ويتفرغوا لتخليد ذِكرهم في هذه الحياة بما يشرّفهم ويبقي ذِكرهم.
يقول أحد المؤثرين: جاءني أحد أبناء عائلتي، وقد تخرج في تخصص نادر، وقال لي: هل تعرف أنك شخص مؤثر على مستوى عائلتنا، وأنا أول مَن تخرج في هذا التخصص على مستوى العائلة، فقلت له: إن كنت ستقارن نفسك بعائلتك الصغيرة فاعلم أنك لن تذهب بعيدًا، اصعد بطموحك.
صاحب الهمة لا يحصر نفسه في مجتمع صغير قد لا يتحمّل هِمّته، وصاحب الرسالة لا يهمه رأي الآخرين ولا ينشغل به، ما دام قد أرضى ربه ورب الآخرين، فهذا هو الهدف الحقيقي.
@shlash2020