يقول أحد أشهر الصحفيين في العالم يدعى «روبرت فيسك»: أتعلمون لِمَ بيوت العرب في غاية النظافة بينما شوارعهم على النقيض من ذلك؟! السبب أن العرب يشعرون بأنهم يملكون بيوتهم لكنهم لا يشعرون بأنهم يملكون أوطانهم! عاش روبرت فيسك في بيروت ثلاثين عاماً، كان يعمل كمراسل لجريدة بريطانية.
أعتقد أن ثلاثين عاما وهو يعيش بيننا تكفيه أن يقول الحقيقة، فعلاً نحن العرب نشعر بأننا نمتلك بيوتنا فقط، بينما نعتقد أن شوارعنا ملك للحكومة، وهذا الاعتقاد خاطئ، ومصيبة تعكس واقعنا، لا يجب أن تكون شوارعنا عفنة لأننا نكره أو نختلف مع الحكومة، نجد ثقافة الملكية العامة عندنا معدومة، نكتفي بملكيتنا الخاصة ونحافظ عليها، وننسى شيئا اسمه ملكية عامة. فينا ذلك الأب الذي يُرشد أبناءه ويعلمهم في البيت على وضع المخلفات التالفة في كيس القمامة، هو نفسه الذي يرمي كيس القمامة في الشارع العام، وذلك الشاب الذي يحافظ على نظافة طاولة الأكل في البيت هو نفسه الذي يحفر اسمه على مقعد الجامعة، وذلك الطفل الذي يفتح حنفية الماء بهدوء في البيت هو نفسه الذي يكسر حنفية الماء في المدرسة، والأم التي تحافظ على نظافة حديقة البيت كل صباح ومساء هي نفسها، التي ترمي المخلفات في الحدائق العامة. لو تأملنا حالنا لوجدنا أننا أعداء أنفسنا، وأنه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن! والإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترمًا، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناس محترمين لتكون نظيفة.
هل هناك أجمل من بيئة نظيفة تُجمّل أيامنا وتعكس عنّا أبهى منظر؟! فالنظافة هي التي تُشكل الصورة الخارجية عنّا، وهي مرآة المجتمع، فهي تعكس حال المجتمعات ومدى رقيها، وتقدمها، وثقافتها. نظافة شوارعنا وحدائقنا وجميع المواقع العامة والخاصة تعكس نظافة فكرنا وما يحويه من قناعات وقيم، فكما يقول جورج برنارد شو (ما أجمل النظافة ولكن ما أعظمها عندما تكون في عقولنا!) نظافة شوارعنا تعكس نظافة عقولنا أيضاً، أماكنّا العامة هي الصورة، التي يأخذها العابرون عنّا، جمالها يعني جمال ساكنيها ورقي عقولهم، أماكنّا العامة هي الانطباع الأول، الذي يأخذه عنّا السائحون، وهي اللوحة الفنية التي تحتفظ عنّا بين الأمم.
[email protected]