دعونا نغوص عميقاً للوصول إلى بواعث هذا التحول في الأداء المؤسسي بعد ذلك الإنجاز النوعي، ولعلي أقف أولاً مع المرتكز والمنطلق، وهو سلامة الهدف وصدق النوايا، إذ نجد بعض المؤسسات تسلك طريق الجودة لأغراض تسويقية بحتة، وبعد صدور شهادتها تنتهي الرحلة، فتضع شعار الجودة على منتجاتها وإعلاناتها حتى تتمكن من زيادة الأرباح ورفع الحصة السوقية، وقاعدتهم في ذلك «خذ الأيزو واعمل اللي عايزو». وأخرى تسعى فقط لرفع مكانتها الاجتماعية، وتحسين سمعتها المؤسسية، بل وتزداد هشاشة المستقبل وتلوح علامات الفشل عندما يتوارى خلف ذلك أهداف شخصية، ومكاسب ذاتية يسعى لها بعض القادة في المنشأة، كالحصول على المواقع الفضلى والمناصب العليا. وعلى ضفاف آخر هناك مؤسسات أقبلت على نظم الجودة واعتماداتها «كردة فعل» نتيجة مشكلة أو كارثة حلت بها باعتبار الجودة منقذاً سريعاً، وبعد حل المشكلة ينتهي كل شيء. ومن الأسباب الرئيسة، التي تدفع أيضاً إلى مثل هذه المراحل المظلمة من عمر المؤسسات، هو تغير القيادات وتبدل القناعات لديها وترتيب الأولويات، فيأتي مَنْ يرى أن الجودة والتميز مجرد ترف إداري، وهدر مالي لا حاجة له، فيرمي بجميع تلك المكتسبات، التي جاهد فريق العمل لإنجازها عرض الحائط. وذلك يقودنا إلى سبب آخر منعقد به، وهو ضعف مأسسة العمل في المنشأة، الذي جعلها تربط مصيرها بالأفراد ومرئياتهم الشخصية، وليس عبر السياسات المعتمدة المؤسسية، التي تفرض عادةً على كل وافد جديد الانخراط فيها.
أختم بحديثي المستمر والمتجدد عن رحلة الطموح الوطني وأقول، إن طريق المجد التنموي، والسبق في المضمار العالمي لا يقبل أن تكون الجودة والتميز في مؤسساتنا «سحابة صيف»، تمر عابرةً وتزول سريعاً، بل يجب أن يتغلغل هذا الإيمان في سياساتها وخططها وحمضها النووي، وأن تقف صامدةً أمام تحدي الاستدامة، فكما أن تَبَّني التحسينات وتحقيق الإنجازات أمراً مهماً، يبقى المحك الأهم هو الثبات على ذلك النهج والقناعات، في زمن التغيير المستمر والمتغيرات.
@azizmahb