[email protected]
يتقافز إلى ذهني هذا السؤال كلما قرأت كتابا قديما من تلك الكتب «التراثية» الشهيرة: كيف يمكن أن نتعامل مع تراثنا العربي الأصيل تعاملا يحفظ له أقيامه الأدبية في نفوس أهل هذا الزمان؟ ويبدو أن الإجابة عن سؤال مطروح بهذه المباشرة والعفوية له شعب وفروع قد أقف على بعضها، وقد أسهو عن بعضها، فنحن نتفق جميعا على غايات الفكر التراثي وأهدافه، غير أننا قد نختلف في أساليب التأثر به، فالمعارك ما زالت محتدمة بين كل قديم وكل جديد، أو بين المحافظين والمجددين، وهي معارك لا تدل على مرض، بل تدل على صحة، ذلك أن غايات التراث في مجملها هي غايات ذات أبعاد نبيلة وسامية، ولكن أساليب التعامل معها تبدو غير واضحة في عصرنا الحاضر، وأوجه الخلاف في أساليب التعامل كثيرة لعل أشهرها القول بأن التراث في حد ذاته لا يحقق ما تحلم به الأجيال الحاضرة من تطلعات.
وإزاء ذلك يتهم التراث بالتقصير بينما تقف بعض الفئات «المعتدلة» من التراث موقفا عقلانيا وصائبا، فهي ترى فيه رافدا لمتطلبات العصر، وترفض فكرة إلغائه أو مجرد تجاهله، أي أنها ترى فيه ما ينسجم مع تصوراتها الحاضرة ويضيف إليها شيئا جديدا، ومهما يكن من أمر فلا بد من إدراك مسألة هامة أدت إلى حسم الخلاف بين المحافظين والمعتدلين، وأعني بها عدم قصر التراث على حفظه وترديده دون أن نتمكن من التعامل معه بطريقة مباشرة باستنطاقه ومحاورته، وأظن أن محاورة التراث بكافة أبعاده الإيجابية سوف تؤثر في سلوكيات مجتمعاتنا الحديثة.