الإجابة عن هذا من ثلاثة جوانب:
الأول: يجب أن ندرك أن الأرزاق مقسومة، وما كتب الله لنا سنأخذه، وما لم يُكتب لن يكون لنا فيه نصيب مهما بذلنا، ولكن سنة الله أنه لابد من بذل الأسباب بعد سؤال الله الإعانة والتوفيق.
الثاني: ما هي طريقة تعاملنا مع المال؟ هل هو وسيلة أم غاية؟ وهل المطلوب أن نكدّس الأموال استعداداً للمستقبل؟
روى ابن خلكان في وفيات الأعيان: لما تمهّدت بلاد اليمن لتوران شاه بن أيوب (وهو أخ السلطان صلاح الدين)، واستقامت له أمورُها، كرِهَ المقام بها لأنها بلاد مجدبة، فكتب إلى صلاح الدين يستقيل منها، ويسأله الإذن له في العَوْد إلى الشام، ويشكو حالَه، فأرسل إليه أخوه رسولاً مضمونُ رسالتِهِ ترغيبُه في الإقامة، وأن اليمن كثيرة الأموال ومملكة كبيرة. فلما سمع توران شاه الرسالة، قال لمتولّي خزانته: أحضر لنا ألف دينار، فأحضرها في كيس. فقال لأستاذ داره، والرسول حاضر عنده: أرسِل هذا الكيس إلى السوق يشترون لنا بما فيه قطعة ثلج. فقال أستاذ الدار: يا مولانا، هذه بلاد اليمن، من أين يكون فيها ثلج!!؟ فقال: دعهم يشترون بها طبق مشمش لوزي، فقال: من أين يوجد هذا النوع ههنا!!؟
فجعل يعدّد عليه جميع أنواع فواكه دمشق، وأستاذ الدار يُظْهِر التعجب من كلامه، وكلما قال له عن نوع، يقول له: ومن أين يوجد هذا ههنا!!؟
فلما استوفى الكلام إلى آخره، قال توران شاه للرسول: «ليت شعري ماذا أصنع بهذه الأموال إذا لم أنتفع بها!!؟ هل يؤكل المالُ بعينه!!؟ أم فائدته أن يتوصل به الإنسان إلى بلوغ أغراضه!!؟ فعاد الرسول إلى صلاح الدين، وأخبره بما جرى، فأذِن له في المجيء».
وهنا مربط الفرس، فالمال لا يؤكل، ولا فائدة منه إن لم يتوصل به الإنسان إلى بلوغ أغراضه، وكلما سمت هذه الأغراض وعلت كانت مكانة المال، ولذلك سبق أهل الدثور بالأجور كما في الحديث الشريف على صاحبه الصلاة والسلام.
الثالث: أن هذا لا يعني عدم التدبير والاقتصاد، فهما سمة العقلاء، ولكن التدبير والاقتصاد لا يعني البخل والتقتير عليك وعلى أولادك، فالبخلاء يعيشون حياة الفقراء ويحاسبون حساب الأغنياء.
@shlash2020