وشدد الأمير محمد بن سلمان على أن هذا الكيان قد تم تأسيسه استناداً إلى ما يربط بين دولنا من علاقة خاصة وقواسم مشتركة متمثلة بأواصر العقيدة والقربى والمصير المشترك بين شعوبنا، ومن هذا المنطلق علينا جميعاً أن نستدرك الأهداف السامية والمقومات التي يقوم عليها المجلس؛ لاستكمال المسيرة، وتحقيق التكامل في جميع المجالات، وفي هذا الخصوص نشير إلى رؤية سيدي خادم الحرمين الشريفين بشأن تعزيز التكامل بين دول المجلس، التي وافق عليها المجلس الأعلى في الدورة السادسة والثلاثين، وما شهدته من تقدم مُحرَز في تنفيذ مضامينها خلال الأعوام الماضية، ونؤكد أهمية مضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات في سبيل تحقيق تلك الرؤية.
وختم مجددا: إن سياسة أشقائكم في المملكة العربية السعودية الثابتة والمستمرة، وخططها المستقبلية ورؤيتها التنموية الطموحة «رؤية 2030» تضع في مقدمة أولوياتها مجلس تعاون خليجي موحد وقوي، إضافة إلى تعزيز التعاون العربي والإسلامي بما يخدم أمن واستقرار وازدهار دولنا والمنطقة.
مجلس التعاون
وتشدد المملكة، على أنها خطت ضمن البيت الخليجي منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981 نهجاً متوازناً يرفد كل جهد ويؤازر ويدعم كل عمل يسهم في تحقيق الأهداف والتطلعات المشتركة.
وعملت المملكة من كونها الشقيقة الكبرى لدول المنظومة على تجاوز مختلف العقبات وما يواجه مسيرة العمل من خلافات أو مستجدات تطرأ سواء في وجهات النظر أو على أرض الواقع، حيث كفلت السياسة السعودية المحافظة على وحدة الصف الخليجي، ودعم الدول الأعضاء للوصول لتسوية وحلول ناجعة للخلافات الخليجية - الخليجية، وديمومة التعاون مع الدول العربية والإٍسلامية والدولية.
ودأبت السعودية على تقديم كل ما من شأنه زيادة أواصر الترابط بين دول المجلس وتعميق التعاون وصولاً إلى وحدة ناجزة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من خلال حشد طاقات دولة وفق تخطيط مدروس لتحقيق المصالح وحفظ المنجزات والتوازن الحضاري.
وإلى ذلك، رسَخَت جهود وتصميم قيادة المملكة مع إخوانهم قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أجل دعم مسيرة هذا الكيان من خلال ما اتخذ في دورات المجلس الأعلى «مؤتمرات القمة» ومساندة الأجهزة المعنية، التي كان لها الدور المهم في اتخاذ القرارات المثمرة في سبيل تعزيز الروابط ومعالجة العقبات والمعوقات وذلك بتفاديها وحل معضلاتها.
وسارعت المملكة بوضع العديد من القرارات موضع التنفيذ وصدرت من المجلس الكثير من القرارات، سعياً إلى تعميق أواصر الإخوة بين شعوب دول المجلس وتعزيز وحدته.
والمواقف السعودية مع دول المجلس تنوعت وتعددت صورها، مع رسوخ هدفها الأوحد وهو وحدة الصف ونبذ الخلافات الخليجية/ الخليجية.
تاريخ المملكة
وهنا لا بد من الإشارة إلى جهود ملوك وقادة المملكة على مر التاريخ، ودعمهم لمسيرة العمل الخليجي المشترك والحرص على وحدة الصف، وهو ما ظهر جلياً في العديد من المواقف أبرزها العمل مع الكويت حتى عادت أرضها سالمة لأهلها.
والمملكة تمضي بثقلها ومكانتها الإقليمية والدولية مستشعرة دورها الريادي في حماية وتحصين وحدة دول المجلس كافة؛ وإسناداً لوحدة الموقف وغايتها في المقام الأول حماية الأمن الخليجي، وجعله سداً منيعاً أمام أي محاولات للنيل منه.
وشهدت المسيرة الخليجية منذ تأسيسها انعقاد 66 قمة، منها 40 اعتيادية، و17 أخرى تشاورية، إضافة إلى قمة «العُلا» الأخيرة التي عقدت في يناير 2021.
وكانت «العُلا» هي القمة الاعتيادية الـ41 منذ نشأة مجلس التعاون، حيث عقدت 10 في السعودية.
وسبق للرياض أن تشرفت باستضافة أعمال الدورة ثماني مرات أخرى بدءًا من الدورة الثانية، حيث حفلت بالكثير من التطورات والمبادرات والقرارات، التي باتت تصب في خدمة المواطن الخليجي أولاً ورفعة شأنه بصفته المكون الأول لدول المجلس، ففي نوفمبر 1981 عقدت الدورة الثانية لاجتماع قادة دول مجلس التعاون بدعوة من الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- حيث استعرض المجلس الوضع السياسي والاقتصادي والأمني بالخليج في ضوء التطورات الراهنة، وأعلن عزمه مواصلة التنسيق في هذه المجالات لمواجهة الأخطار المحيطة بالمنطقة وزيادة الاتصالات بين دول المجلس من أجل درء هذه الأخطار.
القمم المهمة
أيضا تعد قمة الرياض 2011 من القمم المهمة في تاريخ مجلس التعاون، وشهدت ترحيب قادة دول المجلس بالاقتراح المقدم من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ووجهوا بتشكيل هيئة متخصصة لدراسة المقترح.
وفي قمة الرياض 2015، تم التوجيه بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتبني رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- لتعزيز التكامل بين دول المجلس والعمل الجماعي المشترك، وإقرار إمكانية الاتفاق بين عدد من الدول الأعضاء على أي إجراءات تكاملية تراها.
إذن، استضافت العاصمة الرياض العديد من قمم قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على مر العقود الماضية، وكانت المدينة منعطفًا مهمًا في الكثير من القرارات والتحولات الخليجية، التي أثمرت نتائجها وتجسدت لصالح شعوب المنطقة.
وفي العام 1987، استضافت المملكة القمة الخليجية الثامنة، التي خصصت لبحث تطورات الحرب العراقية الإيرانية. وفي 1993، استضافت القمة الـ14 لقادة دول المجلس بدعوة كريمة من الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي أسفر عنها تطوير قوة درع الجزيرة والمجالات العسكرية الأخرى العديدة.
وفي العام 1999، استضافت المملكة أعمال القمة الـ 20 وتم خلالها الاتفاق على فئات الرسوم الجمركية، كما أقر وضع إستراتيجية بعيدة المدى تتوجه نحو دعم خطوات التكامل الاقتصادي العربي لتحكم العلاقات بين دول المجلس والتكتلات الإقليمية والمنظمات الدولية.
أما في 2006، فاستضافت السعودية قمة دول الخليج رقم 27، وأكدت خلالها احترام وحدة وسيادة واستقلال العراق وهويته، ورفضت دعاوى التجزئة والتقسيم.
وفي العام 2009، استضافت السعودية بدعوة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- قمة استثنائية بحثت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بينما في 2011 استضافت السعودية القمة الخليجية الـ 32، التي رحبت بالاقتراح المقدم من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.
استضافات سعودية
أما في العام 2015، فاستضافت السعودية اجتماعات القمة الخليجية الـ 36، التي تم خلالها اعتماد رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك، كما اعتمدت تلك القمة تفعيل القيادة العسكرية الموحدة.
وفي العام 2018، استضافت السعودية القمة الخليجية الـ 39، التي أقرت العمل على صيانة الأمن والاستقرار في المنطقة، ومكافحة التنظيمات الإرهابية، من خلال التكامل الأمني لدول المجلس، والتصدي للفكر المتطرف، كما أقرت بلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة لمجلس التعاون، تستند إلى النظام الأساسي للمجلس وتعمل على حفظ مصالحه ومكتسباته وتجنبه الصراعات الإقليمية والدولية. وكانت آخر استضافة للرياض في 10 ديسمبر 2019 حين احتضنت اجتماعات المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الأربعين بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-.
وفي 2021، شهد يناير احتضان «العلا»، لقادة دول مجلس التعاون في دورته الحادية والأربعين، «قمة السلطان قابوس والشيخ صباح»، وترأسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله-.
وتوافق الزعماء والقادة الخليجيون، على الأهداف السامية لمجلس التعاون، التي نص عليها النظام الأساسي، بتحقيق التعاون والترابط والتكامل بين الدول في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدتها، وتعزيز دورها الإقليمي والدولي، والعمل كمجموعة اقتصادية وسياسية واحدة للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء في المنطقة.
مشددين على تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون، لمواجهة التحديات المستجدة، انطلاقاً من اتفاقية الدفاع المشترك، ومبدأ الأمن الجماعي لدول المجلس.
بجانب تعزيز الدور الإقليمي والدولي للمجلس من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الإستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات والمنظمات الإقليمية والدولية، بما يخدم المصالح المشتركة.