نعيش هذه الأيام تطورا شبه جذري أسهم في خلق بيئة جديدة حبلى بالمتغيرات، ولعل أبرز هذه المتغيرات هي المتغيرات الفكرية والسلوكية، التي أحدثها هذا التطور بمختلف أشكاله وصوره، والتي يأتي في مقدمتها التطور التقني، حيث نشهد ثورة حقيقية على هذا الصعيد جعلت من التعامل مع هذا التطور تحديا كبيرا، خاصة في علاقته الطردية مع كينونة الأسرة وقوة ترابطها وتماسكها وتتمثل هذه العلاقة الطردية من خلال واقع أثبت وجودها في أنه كلما زاد منسوب التفاعل مع التطور التقني زاد حجم التباعد العاطفي والجسدي بين أفراد الأسرة، والعكس صحيح ممّا أوجد نوعا من الاضطراب الأيدولوجي السلبي شديد التأثير صوب كل ما كان سائدا قبل معايشة هذا الواقع المستجد.
إن التطور في منظوره الشمولي ليس بالضرورة أمرا إيجابيا في جميع صوره كما قد يظن البعض، فهنالك سلبيات خطيرة قد تنتج عنه عندما يُساء التعامل معه، فعلى صعيد الأسرة مثلاً وهي صلب هذا التناول نشهد الكثير من السلبيات، التي أحدثها سوء التعامل مع هذا التطور، من بينها حدوث نوع من التفكك داخل الأسرة الواحدة، حيث أصبحت العزلة سمة من سمات المشهد الأسري وانكفاء أفراده على أنفسهم عند انغماسهم في دقائق هذا التطور أصبح واقعا ملموسا، وهذا الواقع تسبب في معضلة حقيقية يعيشها أرباب الأسر هذه الأيام، خاصةً أولئك الذين لا يفقهون كثيراً في كيفية إدارة مثل هذا النوع من الأزمات، الذين يجدون أنفسهم أسرى لأسلوبين سلبيين ومتناقضين في نفس الوقت يتمثل الأول في أسلوب الشدة، الذي يلجأ له بعضهم كسبيل يرون أنه قد يساعدهم على احتواء ما يواجهونه من معضلات إلا أنهم يتسببون في تفاقمها واستفحالها باللجوء له، والثاني يتمثل في أسلوب الحوار إلا أن مَنْ يلجأ له منهم يفشل فيه لأنه فاقد لأدواته الضرورية لإنجاحه فيُصبح حاله كحال مَنْ يحرث في الماء، الذي لا يمكنه الخروج بأي نتيجة إيجابية من حرثه مهما اجتهد فيه.
وهنا ووسط هذه الحيرة، التي يعيشها أرباب الأسر وعجزهم عن إيجاد سُبل استشفاء كفيلة بعلاج ما يعانونه من أزمات يأتي دور مَنْ وفّر هذا التطور التقني ألا وهو رب المجتمع (صانع القرار)، حيث إن مسؤوليته المجتمعية والأخلاقية التي عليه القيام بها كواجب يُمليه عليه حسّه وضميره الإنساني عرفاً وشرعاً من جهة، وكذلك تمليه عليه مسؤوليات توليه منصب قائد المجتمع والمُشرّع له من جهة أخرى تجبره على عدم تجاهل أو إهمال توفير السبل العلاجية الكفيلة بالتخفيف على الأقل من حدّة ما يعانيه أفراد مجتمعه إن لم تتمكن من علاج ما يعانونه بصورة جذرية.
وإن الإشارة إلى ضرورة تدخل صانع القرار في مثل هذا الشأن تأتي ضمن الأطر، التي سنّتها جميع المواثيق والأعراف المتعارف عليها، التي لا مخرج له منها ولا مناص، خصوصاً عندما يصطدم عامة أفراد مجتمعه بمعضلات يقفون عاجزين عن التعامل معها أو إيجاد حلول لها، وهذا التدخل المطلوب من صانع القرار قد يأخذ صورا شتى منها مثلاً التوعية الرادعة أو القوانين الضابطة، التي من شأن كليهما العمل على مساعدة المجتمع بمختلف شرائحه المثقف منها وغير المثقف، المتعلم منها وغير المتعلم في مواجهة مختلف التحدّيات، التي يتعرضون لها.
ختاماً وكما أسلفت في المقدمة، فإن التطور إذا لم يُحسن الإنسان التعامل معه فإن تبنيه له سيعرّضه لأزمات هو في غنى عنها، وسيخلق له ضروفا وملابسات لا يرى منها إلا سلبيات يصعب عليه الفكاك منها، خاصةً إذا قام بتجاهلها أو تركها لتتفاقم، لذا فإن المنطق يقول إن ما لا يمكنك التعامل معه يجب ألا تلجأ للتعامل معه بمعنى أنك يجب ألا تتبنى وألا تمارس إلا فقط ما تمتلك أدوات السيطرة عليه والتعامل مع نتائجه وتداعياته، وإلا فإن شرّه حينها سيطالك وسيطال جميع من أنت مسؤول عنهم.
@ahmed_baniqais