وأعلن العديد من الخبراء والمعلقين أن الولايات المتحدة والصين تتجهان نحو حرب باردة جديدة أو تنخرطان فيها بالفعل، وينطبق هذا المصطلح في تحليلهم على المنافسة الإستراتيجية ثنائية القطب بين القوتين العظميين النوويتين وأيديولوجيتيهما.
وسوف يكون ذلك في حالة حدوثه تكرارا للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كسباق للتفوق العالمي من شأنه أن يلزم الدول الأخرى باختيار بين الديمقراطية والاستبداد، ولكن الحرب ستظل «باردة» لأن أيا من الجانبين لا يسعى إلى المواجهة العسكرية المباشرة أو الغزو، والواقع أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين سوف تشن في المقام الأول في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية، وفقا لما يقوله هير.
التفوق العالمي
ومع ذلك، أعلن مراقبون آخرون بثقة مماثلة «أنه لن تكون هناك حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين لأن واشنطن وبكين لا تخوضان في الواقع صراعا أيديولوجيا من أجل التفوق العالمي».
«إن الصين لا تسعى إلى الهيمنة العالمية أو تدمير الرأسمالية وأسلوب الحياة الأمريكي، كما أن بقية العالم لن يقسم نفسه إلى معسكرات أمريكية وصينية»، حسبما يقول المحلل الأمريكي بول هير.
وقال السفير الأمريكي السابق لدى روسيا مايكل ماكفول: إن مقارنة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تخاطر «بسوء تشخيص طبيعة التهديد» و«سوء فهم طبيعة المنافسة».
وكما قال المؤرخ ميلفين ليفلر، فإن الحرب الباردة حدثت «بسبب الظروف المحددة التي واجهت الولايات المتحدة بعد عام 1945، إن السياق التاريخي الذي تعمل فيه الولايات المتحدة اليوم، وتشكيلة القوة السائدة على الساحة الدولية، والجاذبية الإيديولوجية للنظام المنافس كلها مختلفة تماما».
ورغم أن بكين لا تسعى إلى الهيمنة العالمية، أو القضاء على الديمقراطية، أو تدمير الرأسمالية، التي تبنتها إلى حد كبير، فإنها تسعى إلى الحصول على الشرعية العالمية لنموذجها الحاكم المتمثل في «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية».
وتسعى بكين أيضا إلى تعظيم ثروتها وقوتها ونفوذها، خاصة بالمقارنة مع واشنطن، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الولايات المتحدة كانت لفترة طويلة المعيار العالمي للثروة والسلطة والنفوذ.
وتخلص بكين إلى أن واشنطن تبنت سياسة احتواء فعلية لمقاومة زيادة النفوذ الصيني، وهذا يدفع القادة الصينيين إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على عرقلة الطموحات الصينية، كما يسعى القادة الصينيون أيضا إلى استغلال خطوط الصدع بين الولايات المتحدة والدول الأخرى التي قد تتعاون بطريقة أخرى مع جهود واشنطن للقيام بذلك.
منافسة أيديولوجية
وبحسب هير، يشكل هذا منافسة أيديولوجية منهجية ومنافسة هيكلية بين قوتين عالميتين على النفوذ الدولي، حتى لو لم يكن من الضروري أن تكون مجالات نفوذهما متعارضة، وفي حين أن هذه المنافسة لا تحتاج أيضا إلى أن تكون صفرية، فإن كلا الجانبين يقتربان منها على نحو متزايد ويلقيان باللوم على بعضهما البعض لجعلها كذلك، فهما يصعدان منافساتهما الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية لاعتقادهما الواضح بأن امتلاك ريادة العالم في كلا المجالين أمر حيوي لأمنهما القومي، وأن الاعتماد المتبادل غير مقبول.
ويرى هير «أن بكين وواشنطن غير قادرتين على ما يبدو على فهم وجهة نظر كل منهما الأخرى أو الاعتراف بالعنصر التفاعلي لسلوك كل منهما بشكل كامل، أو غير مستعدتين لتقدير وجهة نظر كل منهما»، وهذا الافتقار إلى الفهم المتبادل والثقة يغذي المعضلة الأمنية الكامنة وسوء توزيع الطرفين للدوافع والنوايا الإستراتيجية للطرف الآخر.
ويضيف «إن الوضع السياسي الداخلي في كل من الولايات المتحدة والصين يدفعهما نحو نهج تصادمي صفري تجاه بعضهما البعض».
ويقول: إنه على الجانب الأمريكي، فإن الاعتقاد بأن الصين تشكل تهديدا على الطريقة السوفيتية للولايات المتحدة هو جزئيا نتيجة ثانوية للخلل السياسي والاستقطاب والضائقة الاقتصادية، التي تتطور منذ أكثر من عقد، لكنها تفاقمت بسبب تأثير رئاسة دونالد ترامب وجائحة فيروس كورونا، وربما كان متوقعا أن يكون هذا قد غذى شعورا بالضعف الوطني الذي ولّد بدوره تصورات مبالغًا فيها عن التهديدات الخارجية، خاصة من جانب الصين.
وبالإضافة إلى إلقاء اللوم على الممارسات التجارية الصينية في النكسات أو نقاط الضعف في الاقتصاد الأمريكي، ينظر إلى عمليات النفوذ الخارجي للصين على أنها تهديد للديمقراطية الأمريكية، كما ينظر إلى قدراتها الفضائية والسيبرانية على أنها تهديد للأمن الداخلي الأمريكي.
الأدوات الصينية
وتمثل كل هذه التكتيكات والأدوات الصينية تحديات حقيقية وكبيرة للولايات المتحدة، ولكن الخطر الذي تشكله على أسلوب الحياة الأمريكي كان مبالغا فيه إلى حد كبير.
وعلى الجانب الصيني، يستند الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تشكل تهديدا وجوديا للصين جزئيا إلى بيانات السياسة الأمريكية على مر السنين التي دعت ضمنا أو صراحة إلى تغيير النظام في بكين، وقد أثبتت هذه التصريحات مخاوف قادة الحزب الشيوعي الصيني من الاضطرابات الداخلية، وإمكانية مساعدتها وتحريضها من قبل «التخريب الأجنبي».
ولكن الآراء السلبية للولايات المتحدة بين الشعب الصيني يغذيها أيضا تاريخ من الانتهاكات الأجنبية للسيادة الصينية التي لعبت فيها الولايات المتحدة دورًا حتى قبل حكم الحزب الشيوعي الصيني، وهذه التصورات تغذيها باستمرار دعاية الحزب الشيوعي الصيني، ولكن هناك حقيقة تاريخية وافرة فيها.
والتساؤل الذي يطرحه هير هو، إلى أين سيقودنا هذا الوضع؟ ويقول: إن النتيجة هي منافسة صفرية ظاهريا على الثروة والسلطة والنفوذ بين أكبر قوتين في العالم، واللتين لديهما بشكل أساسي نظامان سياسيان واقتصاديان متعارضان، وكلاهما يسعى إلى الحصول على الدعم الدولي لهذين النظامين، وعلاوة على ذلك، فإن الديناميكية السياسية الداخلية من كلا الجانبين تضمنان عدم سعي بكين أو واشنطن بنشاط إلى اتباع نهج أكثر معقولية أو تيسيرا تجاه الآخر مما هو سائد الآن.