لقد درج الجميع على ممارسة سلوكيات متناقضة بين الباطن وأصل الاعتقاد بها من عدمه وبين الظاهر وضرورة التحلي بها، وأصبحت سمة النفاق الشخصي فيها ضرورة شخصية واجتماعية من خلال خداع النفس وجعل الشيء أكثر عقلانية، فشراء هدية في عيد ميلاد أو تجهيز مناسبة زواج أو عزاء أو السفر لمجرد السفر أو الزينة الفائقة في الخروج من المنزل أو التملق في الحديث مع الآخرين أو التصدر في واجهة المشهد الاجتماعي أو ممارسة مظاهر التدين في اللباس والألفاظ والفعل أو في شراء ما استجد من كماليات أو بتجميل الصورة الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعية، فهو يندرج تحت مفهوم تقدير الذات والآخرين والترفيه عن النفس ورسم الصوة المثالية عن الشخصية من الظاهر فقط، وأما في الباطن فسوف يستشعر الفرد النفور والانزعاج من كثرة المشاركات والتبذير في غير موضعه وترك الأولى مقابل الثانوي وتقمص الشخصية الخيالية.
وقد نستغرب من كون النفاق رغبة بشرية طبيعية في فطرتها، وأنه من أهم القضايا التي تحتاج إلى ضبط ومعيارية بين النفاق المذموم والمنهي عنه، وبين النفاق الطبيعي الذي لا يخرج الشخصية عن اتزانها أو الوقوع في انحطاطها، فالبيئة الاجتماعية لها دور كبير في زيادة تضخم النفاق الشخصي أو ضبطه واعتداله، فكلما كانت المثل العليا والتربية الدينية والعادات والتقاليد سلطة مجتمعية ويراقب الناس بعضهم البعض في تصرفاتهم وسلوكهم، فعندها سوف ترتفع وتيرة النفاق الشخصي، وتجعله وسيلة حماية وأمان ووقاية من النقد والتهكم على الشخصية، والعكس صحيح فالبيئة المنفتحة والمتوازنة والمتعددة والتي لا تفرض منهجا واحدا ولا أداء مشتركا ولا أسلوبا متفردا، فهي تضعف من حدة النفاق الشخصي وتجعل من الأفراد قادرين على إخراج ما في بواطنهم كسلوك وأداء كما هو دون تزييف أو خداع.
إن أكثر ما يزعجنا من الآخرين نعتهم لنا «بالنفاق» ضمنا في نفوسهم أو إعلانا في ألفاظهم، وبدلا من أن نتفرغ للدفاع عن قضية محسومة الوصف ومكروهة اللفظ، كان الأجدر منا الالتفات إلى نظرتنا لمواقف الحياة تجاه الآخرين وأنفسنا وممن حولنا أو تحت مسؤوليتنا، ونخفف عليهم وعلى أنفسنا من وطأة ضغوط المراقبة والتجريح والتوجيه والتوبيخ، وننشغل بما في داخلنا من رسم الصورة التي نود أن تظهر على شخصياتنا ويرانا الآخرون كما نحن لا كما يفرضون علينا.
[email protected]