وكون القطاع المصرفي السعودي قطاع اقتصادي مهم على مستوى المنطقة كان لابد من القيام بإجراءات طارئة وإيجاد الحلول لمواجهة هذه الأزمات وتخطيها بنجاح، حيث تكللت هذه التجربة باندماج أكبر بنكين تجاريين في السعودية (الأول وساب) من شهر مارس 2021 وتبعهما بنكا (الأهلي وسامبا) في أبريل 2021.
حيث يقدر رأسمال البنك الأهلي قبل الاندماج حوالي 30 مليار ريال سعودي، بينما يمتلك بنك سامبا رأسمال يقدر بـ 14.780 مليار ريال، ومن المتوقع أن يصل رأسمال البنك المندمج تحت مسمى البنك الأهلي السعودي بـ 45 مليار ريال، وهو رقم ضخم سيشكل رأسمال قويا ومتينا أمام الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم.
وفي الحقيقة لم يقتصر هدف هذا الاندماج على مواجهة التحديات الاقتصادية المحيطة، بل امتدت إلى خلق نظام مصرفي سعودي يدعم التوجهات الحكومية في إصلاح القطاع المالي والمصرفي لا سيما في ظل تسارع رحلة المملكة لتحقيق رؤية 2030 .
ولإنشاء مصارف ضخمة ذات رأس مال وطني تستطيع منافسة البنوك الأجنبية، حيث سيساهم ذلك في دعم البنوك الوطنية وتعزيز التنافسية بينها وقدرتها على التوسع الخارجي، هذا ناهيك عن المساهمة في تحقيق انتشار وتوزع جغرافي أوسع.
وستساهم هذه الاندماجات بتعزيز عامل الجذب للمستثمرين الجدد وتحقيق ضمان وأمان مالي للمستثمرين القدامى وتوسيع الحصة السوقية للمصارف المندمجة سواء على المستوى المحلي وحتى على المستوى العالمي.
ولم تقتصر تجربة الإندماجات على البنوك السعودية وحدها حيث سبقتها تجارب لاندماج بنوك عالمية ولم تكن مقتصرة أيضا على دمج بنكيين محليين فقط، بل امتدت لتشمل اندماج بنوك دولية مع بعضها البعض، كما حصل مع بنك باتكرز تراست الأمريكي ودويتش الألماني عام 1998.
وتجدر الإشارة هنا لتبيان الفروق بين الاندماج والاستحواذ حيث يتمثل الاندماج بالدمج بين كيانين أو أكثر لتشكيل مؤسسة جديدة تهدف لتوحيد الجهود والموارد، إضافة لتدعيم نقاط القوة لتشكل نواة صلبة تنطلق منها لتعزيز تنافسيتها في السوق.
بينما يتمثل الاستحواذ بشراء مؤسسة أو كيان لكيان آخر بغية تحقيق النمو السريع وتوسيع نطاق عملها وتنويع منتجاتها، وبالرغم من كثرة إيجابيات الإندماج ومحاسنها إلا أنها لا يمكن أن تخلو من بعض السلبيات التي تعكر صفوها.
حيث يمكن أن تؤدي هذه الاندماجات إلى ترسيخ مبدأ الاحتكار وظهور تكتلات اقتصادية احتكارية تتيح لها التحكم بالقطاع المصرفي وبالتالي فرض شروطها على المتعاملين معها.
وأيضا من ضمن تلك السلبيات المخاطر المرتفعة التي يمكن أن تنتج عن اندماج كيانات هشة تهدف للخروج من أزمات تمويلية ورأسمالية والهروب من مشكلات التعثر المالي، مما يضطر الكيان الجديد بإعادة تقييم الأصول وهو الأمر الذي سيلحق ضررا بحقوق المساهمين والمتعاملين معها.
وختاما لتحقيق أهداف هذه الاندماجات على الشكل الأمثل والوصول للكمال المالي المصرفي لابد من إيجاد خطط واضحة لمواجهات التحديات التي يمكن أن تواجهها المتمثلة بتحقيق الأمان الوظيفي لموظفي البنوك المندمجة وعدم تخفيض أعدادهم إضافة لتعزيز الشمول المالي للفئات المهمشة ماليا أو من ذوي الدخل المالي المنخفض.
@baderalsiwan