رغم أن هذه الحملة لم تتوغل في أرض الصين، إلا أنها استخدمت طريق القوافل خط الحرير بين غرب آسيا والصين، فكان لها كبير أثر لانتشار الإسلام، الذي قام به التجار على المدن والمحطات في طريقهم، وكذلك مع القاطنين غرب الصين. ولوجود التجاور أيضا بمنطقة التركستان بوسط آسيا للحدود الغربية الصينية، وصل الإسلام غربي بلاد الصين. التجار المسلمون دورهم كان حيويا ومع تكاثر تجارتهم بالصين تمكنوا من تأسيس جسر للتبادلين التجاري والثقافي سجلته كتب التاريخ، بل إن بعضهم استقر وتوطن في الصين.
القرن الثالث عِشر ميلاديا
غزا جنكيز خان بحملاته ديار المشرق وهي ديار المسلمين، وأجبر مسلمي مناطق غرب الصين إلى الانتقال لشرق الصين والتوطن فيها، ومنهم كانوا جنودا ومزارعين، حيث اختلطوا وتزاوجوا مع السكان المحليين، وبذلك تكونت القومية الإسلامية «هوي» بصورة تدريجية وتطلق عليها كتب التاريخ لقب «هوي هوي». وكانت ديارهم تتوزع على ممر خشهي وخنان وشاندونغ وشنشي ويونان.
يذكر التاريخ أن عددا غير قليل من المسلمين تولى وظائف مختلفة أيام عصر دولة أسرة يوان، إذ كانوا يهتمون بالإسلام والشخصيات الإسلامية. مثلاً ابن الحفيد «دين خهينان» وهو شاعر مسلم مشهور لدى أسرة يوان، بل ذكر المؤرخون أثناء عصر أسرة يوان أنه قد تم وصول الإسلام إلى كل أنحاء الصين. حتى ليصبح الإسلام جزءا لا يتجزأ من الاعتقاد الديني والثقافة في الصين، بل أسهم المسلمون في تاريخ تطور الأمة الصينية.
الملاح العظيم
«تشينغ خه» عاش في القرن الرابع عشر ميلاديا فترة حكم أسرة مينغ وهو من مسلمي قومية هوي في مقاطعة يونان.
هذا الملاح جاب المحيطات لأكثر من 28 عاما، وسبق كولومبوس في الوصول
إلى سواحل أمريكا. احتفلت الصين عام 2015 به كرمز ورسول سلام، ولم يشعل هذا الملاح القائد حربا كما فعل كولومبوس بالهنود الحمر.
المسلمون في الصين وإخوانهم العرب التجار لهم إسهام في نقل اختراعات الصين وهي صناعة الورق والبوصلة والطباعة والبارود إلى ديار العرب المسلمين، بل من خلال هؤلاء تم جسر التواصل والتبادل مع الأمم الأخرى لتتمكن أوروبا لاحقا بالانطلاق بمزيد من النهضة والصناعات.
التاريخ احتضن دورا إيجابيا للمسلمين في الصين، ليبقى امتدادهم إلى اليوم في شعوبها، حيث يشكل المسلمون عشر قوميات من ست وخمسين قومية في الصين وهي كالتالي؛ هوي والإيغور والقازاق ودونغشيانغ والقرغيز وسالار والطاجيك والأوزبك وباوان والتتار.
حدث في الصين تغيير ديموغرافي في بعض المناطق، وهذا تم خلال عقود زمنية طال منها إقليم المسلمين شينجيانغ، حيث توطن بها قومية الهان الصينية. إقليم شينجيانغ الذي معناه المستعمرة أو الأرض الجديدة، واسمه القديم تركستان الشرقية قبل أن يُضم إلى الصين كمقاطعة صينية، وذلك بموجب مرسوم إمبراطوري صدر بتاريخ 18 نوفمبر 1884م. مساحة هذا الإقليم تُعادل سدس مساحة الصين ويعتبر أكبر إقليم، ويقع في شمال غرب الصين مجاورا للهند وأفغانستان. شينجيانغ له حكم ذاتي مثل إقليم التبت. والمسلمون فيه مازالوا يشكلون الأغلبية النسبية. مسلمو هذا الإقليم تكتنفهم معاناة وتحديات وبعض تهميش لطالما ذاعت أخباره وتوثيقه ونقده أمميا، والأمل معقود معرفة بتراث الصين وتثمين دور المسلمين أن تُعالج همومهم وآلامهم وتتحسن أوضاعهم كسائر القوميات الأخرى، وهذا هو موروث ثقافة الصين التاريخية بفهم وقبول التعددية.
@alhussainahmed0