إن التطور المتسارع في العالم دفع العديد من الدول إلى أن تخطو خطوات جادة باتجاه تعليم الطلاب العلوم المهنية العملية، التي تساهم بإكساب الأفراد الخبرة والمهارة العملية في كل الاختصاصات حسب احتياجات سوق العمل ومتطلباته.
حقيقة إن التعليم المهني كان حجرة الأساس، التي ساهمت في بناء الدول المنتكسة من الحرب العالمية كاليابان وألمانيا وأصبحت اليوم في مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات.
فالتعليم المهني جاء نتيجة حاجة ملحة لرفد سوق العمل بكوادر مدربة ذات خبرات عالية وكفاءات قادرة على النهوض باقتصاد تلك الدول.
واليوم تتوجه أنظار دول العالم، التي تسعى لنمو اقتصادها ورفده بالكفاءات للتعليم المهني بعد أن أثبت فاعليته ونجاحه في خلق موارد فعالة مدربة ومؤهلة لقيادة عجلة التطوير.
وأصبح الانضمام لتلك المؤسسات، التي توفر هذه النوعية من التعليم سهلا جدا، فيستطيع الطالب أن يختار المجال المهني، الذي يريده ويتابع فيه ويكتسب خبراته بشكل عملي وعلى أرض الواقع فقط بامتلاكه شهادة التعليم الثانوي.
ومن الجدير بالذكر، أن العلم إذا ما بقي محصورا في الكراسات والكتب وبقي كمعلومات دون أن يترجم على أرض الواقع ليس إلا كلاما على ورق يردده الطالب دون أن يعي ما يتعلمه.
في صغري مثلا وعندما كنت في المرحلة الثانوية تعلمنا نظرية فيثاغورث في المثلث قائم الزاوية، وتعلمنا قياس الوتر من خلال هذه النظرية، وبقيت هذه النظرية حبيسة الكتاب إلى أن قدمنا الامتحانات ونجحت فيها ولكن لم أكن أعي أهمية هذه النظرية، وكيف تترجم تلك المبرهنة على أرض الواقع إلى أن قمت في إحدى المرات ببناء سور بجانب منزلي، وبدأ عامل البناء بقياس الأضلاع كلها ليستطيع أن يحصل على مستطيل، وما أن بدأ بالقياس حتى بدأ فعلا بقياس الزاوية وبناء عليه يقيس الوتر وذلك باستخدام نظرية فيثاغورث، وعند سؤالي أين تعلمت هذه الطريقة؟ قال لي حرفيا إنها نتيجة توارث المهنة من أجداده.
وبالتالي فإن التعليم النظري غير المقترن بمهارة عملية لا يجدي نفعا في سوق العمل، فترى مع الأسف خريجي الكليات النظرية يترنحون أمام أول صدمة تواجههم عندما يجدون أن الواقع مختلف عما حفظوه في كتبهم.
وختاما يستحضرني قول الشاعر معروف الرصافي عندما قال:
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
حتى نطاول في بنيانها زحلا
جودوا عليها بما درت مكاسبكم
وقابلوا باحتقار كل من بخلا
لا تجعلوا العلم فيها كل غايتكم
بل علموا النشء علما ينتج العملا
@baderalsiwan