وكما كانت عسير هبة الجرف، فإن أبها هبة واديها (خبيبي)، الذي ما أن يقترب منها حتى يتسمى باسمها. أبها هي تجمع لعدد من القرى الزراعية تجاورت بمرور الزمن على ضفاف الوادي وكونت أحياء المدينة: المفتاحة، القرى (بفتح القاف)، نعمان، الربوع، مناظر( وهو أقدمها وقد سميت المدينة باسمه يوما ما)، النصب، الخشع. أما مشيع شرق المدينة، فهو منفصل عن البقية لكن وقوعه على ضفة الوادي يؤكد ارتباط هذه الأحياء (القرى) بالوادي كالمسبحة. وقد أضيف إليها فيما بعد القابل على الضفة الأخرى للوادي. هذه أحياء أبها القديمة تلتها أحياء كل من شمسان، لبنان، الصفيح، الصفراء، السد (وهذه كلها على الضفة الشمالية للوادي) واليمانية والطبجية وذرة في النصف الجنوبي من المدينة.
في علم تخطيط المدن والتصميم الحضري هناك قراءات بصرية متعددة للمكان تستمد قراءتها من أرض الواقع. وهناك قراءة (خرائطية) هندسية للمدينة وهي أبسطها. فقط ألق نظرة إلى مخطط المدينة. هنا تفصح لك أبها عن نفسها بكل وضوح فسترى حزاما دائريا (شارع الملك عبدالعزيز) هو إلى الشكل السداسي أقرب من أي شكل هندسي آخر. وسط هذا الحزام شريط زراعي متعرج هو ما تبقى من واديها. وفي مركز المدينة مقر الإمارة وجامعها الأكبر وساحتها الرئيسية، ومنها تتفرع طرق المدينة في تكوين إشعاعي. هذه هي أبها ما أصبح يعرف الآن بـ «أبها داخل الحزام». ومن الواضح أننا هنا أمام مدينة استثنائية ذات تكوين حضري قل نظيره في مدن العصر الحديث.
وبدءا من غرب المدينة كانت المفتاحة أقرب إلى عدد من البساتين وقد أحاطت ببيوت القرية من كل حدب وصوب. شارع الفن هو ما تبقى من المفتاحة وهو يسري بمحاذاة واديها. وكما كان البهاء مصدر تسمية الأصل، فإن الفن هو مصدر تسمية الفرع. وأنه لاسم على مسمى. إنك وأنت تتجول في شارع الفن تحت تلك الشجرة الفريدة في جمالها وتلونها (الجركندا) لتجد نفسك في حوار صامت مع وادي المدينة، الذي يقسمها من منتصفها وفي اتصال بصري مع أفقها، وقد حفت به الجبال من كل جانب، وقد لامست جبالها سماءها. على شارع الفن تتربع قرية المفتاحة التشكيلية كتجمع لفناني المنطقة وما أكثرهم وما أبدع أعمالهم. والقرية بحد ذاتها سابقة في المشهد الثقافي المعاصر على مستوى المملكة. وفي اتصال مع تاريخ المكان ولأن الوفاء من شيم الكرام، فقد كرمت وزارة الثقافة قيثارة الشرق الراحل طلال مداح وهو أكثر من شدا باسم أبها عندما سمت به مسرح القرية وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
هذا غيض من فيض، ففي أبها تتبارى الأمكنة حسنا. فمن شارع الفن وسط المدينة، إلى ممشى الضباب على حافتها الجنوبية، ومن إطلالة جبال الشرقي على بحيرة سدها، إلى مطل أبو خيال على المدينة ومدينته العالية، ومن إطلالات أم الركب (شمالا) على المدينة إلى عربات التلفريك في جبل ذرة (جنوبا) يحسب المرء نفسه في مكان أسطوري يعيده إلى صفحات الكتب وعالم الرويات.
هذه هي أبها في قراءة شاعرية موجزة.
غير أن أبها بحاجة لقراءة نقدية أيضا...... يتبع