هذه البروبوجاندا اللطيفة، التي جعلت وسائل الإعلام تتناقل خبر إنجاز ليس بإنجاز أصلا هو ما نحتاجه من كل مَنْ يمثل بلدنا ويحمل جواز سفره أيا كان وليس شرطا أن يكون سفيرا فالسفراء يحملون مع حقائبهم أخلاق المهنة وقيمها.
إن الاعتزاز بالدين والهوية قوة ناعمة مؤثرة داخليا وخارجيا وهي دلالة على هوية الأوطان وإذا كان الأكل باليد اليمنى سنة نبوية وصحة بدنية، فإنني لم أسمع عن أي جهة أقامت دورة «إتيكيت الأكل باليد»! بينما تزدحم دورات إتيكيت الأكل بالطريقة الغربية ولم يكتفوا بها، بل صدروا لنا طريقة الأكل بالأعواد وكأنهم يقولون «تعلموا غصب»! ورغم أننا كمسلمين نحرص على الأكل باليد اليمنى إلا أن هذه الدورات لم تعبأ بنا ووضعت على يمين الطبق السكين بينما الشوكة على اليسار! لنكون «إتيكيتيين» على طريقتهم! حتى بدأنا نخجل من استخدام يدنا ونمثل التقدم والتطور، بل إن أبناءنا لا يعرفون أصلا أنه يمكن الأكل باليد مباشرة ويأكلون وكأنهم السفير الياباني، الذي نعذره ونشكره على إحياء سنتنا!
إن يدنا التي ترافقنا في كل مكان ونعلم عنها كل شيء ليست كالملعقة، التي نجهل أين حطت وما هو تاريخها وأصلها! وإن كنا مطالبين بمجاراة الواقع ومسايرته إلا أننا لا نريد أن نستحي من ثقافاتنا ونخجل منها، لا سيما أن الدراسات أثبتت أن استخدام اليد أكثر أمانا وصحة من سواها ففيها حاسة اللمس، التي تعتبر من أقوى الحواس، فهي وبمجرد ملامسة الطعام ترسل إشارات للدماغ فيرسلها للمعدة التي تفرز عصارات هاضمة تحسن عملية الهضم، كما أن اليد تستشعر درجة حرارة الطعام بخلاف الملعقة التي يمكن أن يحمل معدنها طعاما حارا فيحرق اللسان ويصيب حاسة التذوق في مقتل! والأكل الصحيح ليس ضربا مندفعا باليد! بل (إتيكيتا) جميلا يجعل اليد توصل اللقمة المتوازنة للفم بأطراف الأصابع دون أن يعلق اللعاب بها كما يعلق بالملعقة حين تدخل كاملة مع كل لقمة! مع استجلاب البركة كما جاء في السنة في لعق الأصابع بعد الطعام، هذه اليد التي أصبحت بطلة كورونا فصنعت لها المنظفات والمعقمات والواقيات ومنعت من التلامس عبر السلام جديرة بأن تكون هي أداة طعامنا، الذي يزداد لذاذة بها وجديرة بأن يعقد لها خبراء المراسم الدورات ويمكن أن تكون على طريقة الأسلمة! كالعرس الإسلامي والعباءة الإسلامية! لتكون طريقة الأكل الإسلامي!!!
خاتمة:
ولا تسمعوا قول هذا الشاعر الجائع في أبياته غير الـ «متأنتكة»! حين قال:
اضرب بخمسك لا تأكل بملعقة
إن الملاعق للنعمان كفران!
بالأمس قمت على المرقوق أندبه
واليوم دمعي على القرصان هتان
هذا الجريش طعام لا مثيل له
عليه من مستهل السمن غدران!