قل أنْ أهتم بما يسمى بالانتخابات في العالم الثالث، على الرغم من أهميتها النسبية أحياناً، إلا أنني أعرف بشكل مسبق أن كل تلك المهرجانات، والخطب، والصناديق، وزجاجات الحبر الأزرق التي تشكل أصابع المقترعين، أعرف أن معظم ذلك إن لم يك كله عبارة عن عملية مفرغة من محتواها، بمعنى أنها لن تقدم في تغيير أحوال، ومعاش، وظروف الناس، ولن تمنحهم مزيداً من الرخاء الاقتصادي، أو الحرية الإعلامية، ولا شيء من ثمار الديمقراطية المعروفة في بعض النماذج الغربية. أهم من ذلك أن هناك عيباً رئيساً يكاد هو السبب الحقيقي الذي يقلل من اهتماماتي بالأحداث، والمناسبات الديمقراطية في العالم الثالث وهو أن الانتخابات سواء في شكلها النيابي، أي التي يختار فيها الشعب، أي شعب نوابا يمثلونه فيما يعرف غالباً بالبرلمان، أو المجلس النيابي وهناك تسميات أخرى في بعض البلدان، أو تلك الانتخابات التي تأتي بالرؤساء إلى سدة الحكم. السبب الجوهري لديَّ أن كل تلك المراوحات، وإن اختلفت أشكالها تتم في مناخ غير ديمقراطي، أي تتم في بيئة سياسية واجتماعية، وثقافية غير ديمقراطية بحث لا تتوفر لها أدنى الشروط الموضوعية لكي تنتج عملاً حقيقياً، يمثل الناس، ويعكس واقع رغباتهم. والأهم من ذلك يحقق طموحاتهم نحو الاستقرار، والرفاه الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. وكنت أزعم دائما أن بعض الشعوب، وفي مرحلة من مراحل صراعها من أجل تكوين، وتأسيس الدولة بحاجة للخبز قبل صناديق اقتراع النواب الذي يسيئون استخدام نفوذهم للإضرار بالشعب ذاته.
في منطقتنا العربية عرفت الجمهورية التونسية انتخابات وحياة نيابية، وتعددا حزبيا، ومساحة من الحريات، والحقوق الإعلامية، على مدى عشرة أعوام، بشكل لم يكن مسبوقا في العهود السابقة عهد حكم الرئيس التونسي الحبيب أبو رقيبة، وابن على، التي تصف الدراسات التاريخية عهديهما بأنها فترة حكم الفرد وغياب باقي الحريات.
ومن يفكر في الوضع الحالي للبلاد التونسية يجد أن عشر سنوات من عمر تونس وأهلها عادت بهم إلى الوراء، لا أقول إنَّ الديمقراطية هي السبب، بل إن السبب كما أعتقد والله أعلم هو نصف وربع وثمن الديمقراطية التي كانت تمارس، والأهم من ذلك غياب البيئة، والمناخ، والثقافة الديمقراطية، وهذا في زعمي أحد أسباب فشل التجربة التونسية، وأزعم أنه سيكون أحد مسببات عدم النجاح الديمقراطي هناك حتى وإن أعيدت مظاهر الديمقراطية للعمل من جديد في تونس.
أهم انتخابات جرت في شهر أكتوبر الحالي هي الانتخابات النيابية في العراق التي أعادت تشكيل الخارطة السياسية في العراق، وأكتب هذا المقال قبل إعلان النتائج النهائية إلا أن النتائج الأولية تقول إن العراق يعود إلى عروبته حيث فازت القوى السياسية التي ترفض استمرار التأثير الإيراني في الشأن العراقي، وهذه ميزة ولكنها في ذات الوقت مثلبة، وقد تكون مصيبة حيث إن هذه الحالة أخرجت أصوات أتباع إيران في العراق على حقيقتهم فهم يرفضون هذه النتائج، ويهددون بمقاومتها بالقوة، الأمر الذي قد يعيد العراق العربي لا سمح الله إلى مربع الاقتتال الداخلي، وأحد الأسباب في رأيي غياب المناخ وممارسة اللعبة من قبل أناس يعرف بعض قوانينها فقط.
@salemalyami