يشير الحكماء منذ آلاف السنين إلى أنك لو جعلت للمال والممتلكات قيمة أكثر مما تستحق فلن تكون سعيدا، وللوقوف علميا على مدى مصداقية هذه الفكرة انطلق العالم النفسي الأمريكي تيم كاسر Tim kasser في بحث طويل دام أكثر من خمسة عشر عاما لاستكشاف الأسباب الخفية وراء مشاعر الاكتئاب وعلاقتها بنوعية السلوكيات، وكانت البداية مع استمارة استطلاعية أطلقها بين طلاب الدراسات العليا، حاول فيها أن يبتكر طريقة لقياس قيمة اقتناء الأشياء وامتلاك الماديات مقارنة بالقيم الأخرى كقضاء الوقت مع العائلة، أو العمل على أن يصبح العالم مكانا أفضل للجميع، بحيث يستفسر من عينة البحث التي بدأها من ٣١٦ طالبا عن مدى موافقتهم على بعض العبارات مثل «من المهم أن يكون لدينا مقتنيات ثمينة»، بأخرى مختلفة جدا مثل «من المهم أن نساهم في جعل العالم مكانا أفضل للآخرين»، ومن خلال الإجابات يتبين القيم التي يؤمنون بها، وكان يطرح في الوقت نفسه عددا من الأسئلة حول مدى شعورهم بالإشباع النفسي، وهل يمرون أو مروا سابقا في حالة قلق نفسي أو كآبة، وحين ظهرت التحليلات فوجئ بالنتائج التي أظهرت أن الماديين الذين يعتقدون أن السعادة تكمن في جمع المقتنيات كانوا الأعلى على مستوى الاكتئاب والقلق النفسي، وازدادت قناعة الباحث بأن ثمة علاقة قوية مرتبطة بالسعي الشديد للمكاسب المادية يؤثر مباشرة وسلبيا على جودة الحياة اليومية للمشاركين في الدراسة، وحاول أن يتوصل بعمق لأسباب حدوث ذلك، فاكتشف أن علماء النفس يتكلمون على نوعين من الدوافع التي تحفزنا للنهوض من سريرنا كل صباح، حيث يعرف النوع الأول بالدوافع الجوهرية، وهي الأمور التي تقوم لقيمتها الذاتية وليس لشيء تكسبه منها، فالطفل عندما يلعب يفعل ذلك بدوافع جوهرية لأنه يشعر بالفرح أثناء اللعب، وهناك مجموعة من الدوافع المنافسة لها وهي الدوافع الخارجية غير الجوهرية، وهي الأمور التي تفعلها ليس لأنك ترغب بها، ولكن لأنك تريد شيئا في المقابل من خلالها، كالمال والمكانة، وهذان النوعان المتنافسان من الدوافع موجودان في داخل كل منا، وما من أحد يحيا مدفوعا بأحدهما كليا من دون الآخر، وحاول الباحث في دراسته للتوصل لاكتشاف أمر ذي أهمية، حيث طلب من المشاركين تسجيل أهدافهم المستقبلية، ثم قام بتصنيف طبيعة تلك الأهداف هل هي جوهرية مثل زيادة الاهتمام بالعائلة أو خدمة المجتمع، أم غير جوهرية مثل زيادة الشهرة أو اقتناء ممتلكات غالية، وطلب منهم أن يسجلوا أحوال مزاجهم بالتفصيل بغية أن يقارن بين أصحاب الأهداف الجوهرية وغيرها، وكانت النتائج في النهاية مفاجئة، فالأشخاص الذين حققوا أهدافا غير الجوهرية لم يشعروا بدرجات إضافية في مستوى السعادة يوما بعد يوم، رغم أنهم صرفوا من طاقاتهم سعيا وراء تحقيق تلك الأهداف، وحين أتموا تحقيقها لم يتحسن شعورهم، أما الذين حققوا أهدافا جوهرية فقد تراجعت مستويات كآبتهم وقلقهم النفسي بعد تحقق أهدافهم، ولقد برهنت بعدها الكثير من الدراسات بالإضافة لدراسة العالم تيم كاسر بأنه كلما كانت الدوافع غير جوهرية ازداد قلق الشخص. وكلما ازدادت ميول الشخص المادية انخفضت جودة حياته، حيث يشرح تيم الموقف قائلا: «إذا كان احترامك لنفسك وإحساسك بقيمة ذاتك يتوقفان على كمية ممتلكاتك ونوعية ثيابك وموديل سيارتك فإنك مجبر على المقارنة الدائمة مع الآخرين، فهناك دوما من يملك بيتا أكبر وثيابا أجمل ومالا أكثر، حيث تجعلك المادية في حالة ضعف دائم وسط عالم يخرج عن سيطرتك».
@LamaAlghalayini