ثمة نظرية موغلة في الخطأ بدأت للأسف الشديد تشيع بين الباحثين والدارسين العرب، وأظن أن استمراريتها في بعض أقطارنا العربية تشكل خطرا بالغا على أدبنا ودراستنا اللغوية بمناحيها واتجاهاتها وأغراضها المختلفة، وأعني بها انكباب بعض الباحثين والدارسين على دراسة كثير من القضايا الأدبية والفكرية والثقافية المعاصرة في عزلة تامة عن التراث، وتلك الدراسات لغوية كانت أو أدبية لا ينبغي لأصحابها الابتعاد عن التراث، أو محاولة الابتعاد عنه، لأن من الصعوبة بمكان «كما أرى» أن تدرس قضية أدبية نقدية أو لغوية أو أدبية دون ربطها بإسقاطات تراثية تفيد البحث، وقد يظن أحد الدارسين أن رجوعه إلى التراث ربما لا يكون مفيدا أو ضروريا أثناء شرحه وتحليله وتشريحه لأي عمل معاصر، فالأفكار الحديثة قد تكون متنافرة مع أي فكر أدبي قديم، فإذا سلمنا جدلا بهذا الظن رغم خطئه، فكيف يمكن للدارس أو الباحث أن يتخلص من قيود اللغة، أو يتخلص من أبحاثها المختلفة؟
لا أحسب إطلاقا أن باستطاعة الدارس أن يفلت من التراث، أو يحاول تجاهله، لأن التراث في حد ذاته يمثل سلسلة من التجارب «التراكمية»، التي لا بد أن يستفيد منها الدارس بوجه أو آخر، ولا شك أن أية محاولة دراسية أدبية تكون في معزل عن الاستفادة من تلك التراكمات التراثية ستكون قاصرة، ونتائجها مخيبة للآمال، ولعلنا أو بعضنا يلحظ دون عناء أن بعض التحليلات والدراسات، التي لا تركن إلى معطيات تراثية تكون باهتة وأشبه ما تكون بالأعمال «السريالية» العقيمة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع.