وأتمنى لو كان بوسعي السمو بهم إلى قمم النهضة لأنهم هم بؤرة المستقبل، وأحد عوامل التطور والمحاور التنموية وأجزاء تساهم في تشكيل شريحة أكبر من المجتمع على أهبة الاستعداد لمواجهة تحديات الغد.
والكثير ممن يُطلق عليهم «مؤثرو التواصل»، التي لم تُضف توثيقاتهم إلا بالمزيد من الانحلال الفكري والأخلاقي وتقوقع المجتمع في عُتمة الفِكر والحدّ من رحابته.
ذلك رسام مبدع لو بيعت لوحاته لقدرّت بملايين، والآخر كاتب مؤثر ينسج من الأحرف أطيبها عبقاً وأشملها معرفةً، والآخر مخترع مُبتكر في سن صغيرة، جميعهم لا أحد يُدرك ماهية إبداعاتهم، لا أحد يُحيط علماً سوى بذلك الذي يلتقط السيلفي في سناب ويروّج عن متجره الرديء لمحض انتمائه له، لا لجودة فعلية تُذكر في ذلك المتجر
وأعتقد بأن ذلك ناجمٌ عن تبعات الافتقار إلى القراءة، تلك التي يشتحن إليها أفراد المجتمع شحيح الحاجة، اقرأ أثابك الله فإني وجدتُ بالقراءة ما يُكسبك معنى الإنسانيّة، ويُطورك معرفيًا، ويُهذبك وجدانيًا، ويُنمي فكرك، ويُغذي عقلك، ويجعلك تعوم في جُعب الكتّاب، وتطفو في سماوات الثقافة، ويزوّدك بالمعرفة، ويجعل منك تحيا في عوالمَ أُخرى، ومدارك أكثر رحابة.
ووجدت بها ما يسمو بالمجتمعات، ويُعلي شأنها، ويقوّي همتها، لا تُبلغ النهضة بلا قراءة!
إنما القارئ مُثقف، وقوي بصيرة، وشديدُ إدراك، الكتب تتكفل بتهذيبه وتوعيته، الكتب تتدبر أمر تغيير مجرى فكره، والقارئ النهم حتماً لا يتوقف، يتطور باستمرار، لا يكّل عن التقدم، ومن يقرأ ينهض بنفسه وبمن حوله، ثم ينهض بمجتمعه بأسره !
علينا أن نجعل للمبدعين ما لم يحلموا به من إتاحة الطُرق لهم لعبورها وشقّ حيواتهم بالطريقة المُثلى، ونستجلب ذلك أولاً من النهم المعرفي، الذي ينجم عن كثرة الاطلاع.
يشعر كل من يمتلك الإمكانيات بأنه مسؤول عن نفسه وحسب، ولا يعنيه عدم توفر فُرص لأخيه المسلم الذي يشاركه عملية نهضة المجتمع ذاته، وعمارة الأرض ذاتها، ويُخلي بيديه كما لو أن هذا ليس بشأنه، وفي الوقت عينه يشتكي شُح الكوادر والطواقم المبدعين في مقر عمله أو أياً كان ذلك المكان.
ثم يغفل تماماً عن أن لمجتمعه حقا عليه، وواجبا لا تفضّلا، ومُحتما لا تكرما، وينسى أيضا أنه كان في يوم من الأيام في مكان أولئك الذين يشتحنون للمؤازرة دون طلبات تعجيزية، أو إلقاء مبالغ باهظة، أو تضييق السُبل عليهم بتعاقدات واهيةٍ.
وإنني متيقنة للغاية أننا سنتمكن من احتضان المئات لا العشرات من المواهب اللا محدودة، والعديد من المبدعين الذين لم يكُن ليُسمع لهم همس أو يُرقب لهم ظِلٌ ظليل فيما مضى، ونجعل من أعداد ضحايا ضمور الإبداع، أعداداً مضمحلة، وترقبوا إنني معكم من المترقبين.
sh9009_