فالكلمة والصدق في ذاك الزمان ملزمة لصاحبها أكثر من أي قانون أو عرف، فيكفي مثلاً عند شرائك لبضاعة ما في السوق أن يقول لك أحد التجار إني بعتك أو اشتريت منك لتكون بذلك صكًّا لا يمكن التملص منه، فصدق التاجر والتزامه أساس سمعته بين التجار.
حتى الصدق كان من الخصال الرفيعة عند العرب قبل الإسلام، فكان الشعراء الجاهليون يترنمون بالقول الصادق وينظمون فيه الشعر، كما قال زهير بن أبي سلمى:
وإن الشعر بيت أنت قائله
بيت يقال إذا أنشدته صدقا
أما في صدر الإسلام وبعثة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- حض الإسلام على الصدق بشكل واضح وصريح، وذم الكذب ونهى عنه ووعد الصادقين بحسن الجزاء، قال تعالى: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم).
ولكن بالرغم من كل الذي أسلفت من تقدير الصدق ومراتبه إلا أننا نعيش اليوم أزمة أخلاق، أزمة نفتقد فيها للصدق، حيث أصبح نادراً في حياتنا وتعاملاتنا
بداية من الدائرة الأقرب لنا من أسرتنا لتتوسع شيئا فشيئا لتمر بأقربائنا وأصدقائنا وزملائنا في العمل.
وأصبح فن المراوغة والخداع شطارة ودهاء كما يسميه البعض، أصبحنا نعيش ضمن هالة من الوهم تحيط بنا من كل جانب حتى طعامنا دخلت إليه الهرمونات فترى فاكهة جميلة المنظر لكنها في الحقيقة مزيفة تفتقر للفيتامينات المغذية وللطعم، الذي كنا نستلذ به في الماضي.
حتى في مشاعر بعض الناس، حيث لم تبق لهم في التواصل الاجتماعي، التي وجدت أساسا لتقرب الناس من بعضها البعض أي صدق في علاقاتهم، فأصبحوا يصطنعون السعادة والفرح لتضعها في صورة على حساباتهم ليراها الناس ويظنون أنهم ينعمون بهناء العيش ورغده ولكن قلوبهم يملؤها الحزن والكآبة.
أصبحنا عبيدا لهذه التكنولوجيا تحركنا كيفما شاءت ونسلم لما نراه فيها دون محاكمة عقلية حتى لما نراه ونسمعه، التي في الغالب لا تحتوي إلا الكذب والخداع.
كم نحن بأمس الحاجة لصدمة عنيفة توقظنا من هذا الكابوس الأخلاقي الجاثم على قلوبنا، الذي يحجب الحقيقة عن أعيننا لنرجع لطريق الصدق المنجي والحقيقة الواضحة كما كان سلفنا.
قال أحمد شوقي: والصدقُ أرفع ما اهتز الرجالُ له وخير ما عوّد ابناً في الحياة أبُ
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا