ولأن الشيء بالشيء يذكر فما زال العالم الرياضي يعيش تبعات استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نادي نيوكاسل يونايتد. وتابعنا جميعا ردود أفعال جماهير النادي ومحبيه وفرحتهم العارمة بذلك، وما أثارته الصفقة في الوسط الرياضي البريطاني الذي أصبح النادي بموجبه من ضمن الأغلى في العالم. تأتي فكرة الاستثمار في الثقافة ممثلة بواحد من أهم رموزها في التاريخ العربي والإسلامي مكملة لهذا الاستثمار الذي من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام حركة نهضة ثقافية فكرية عملاقة بقامة ابن خلدون نفسه.
وفي نفس السياق، ونحن نعيش موسم الرياض ووسمه الشهير (تخيل أكثر) لنتخيل معا ماذا يمكن أن ينتج عن هكذا مبادرة. لنتخيل مركزا ثقافيا سياحيا يرتبط في جوهره شكلا ومضمونا بابن خلدون. لنتخيل أحياء تقليدية وقد تحولت إلى مركز إشعاع حضاري يعيد أفكار صاحب المقدمة وينشرها في قالب عصري جديد على الناس. لنتخيل رفوفا من الكتب والمجلدات والمخطوطات، التي سيحويها المركز. لنتخيل طلبة وباحثين وأمسيات فكرية وندوات في علم الاجتماع تربط شرق العالم العربي بمغربه. لنتخيل حراكا فكريا سوسيولوجيا يتجاوز مجرد إلقاء الندوات ليكون رافعة للنهوض بمجتمعاتنا العريية. وهنا يحدث التواصل الثقافي، الذي كثيرا ما اشتكى منه مثقفونا من كلا الطرفين.
عمرانيا لنتخيل فناء تتوسطه بركة ماء كما هو حال النزل التقليدية في فاس ومدرسة العطارين ليست ببعيدة عن النزل، وقد أحيط ذلك الفناء إما بزخارف الزليج المغربية، أو بالنقوش الجدارية التقليدية من مختلف مناطق المملكة، في مبادرة مزج ثقافي عمراني بين المشرق والمغرب، وعلى هذا الفناء تطل كافة مرافق المركز من قاعات للدراسة، والبحث، وغرف إقامة للسياح، وقاعات محاضرات، وقاعات للفن ومسارح، وكل ما يتطلبه إنشاء مثل هكذا مركز.
ابن خلدون نار على علم. إنه أشهر من أن يعرف. إنه (وباعتراف الغرب) مؤسس علم الاجتماع. وعندما يتبحر القارئ في مقدمته، فإنه لا يمكنه إلا إبداء الإعجاب والإكبار لشمولية فكر صاحبها ونفاذ بصيرته وصلابة فكره، لدرجة يتخيل لقارئه، وكأن الرجل ما زال يعيش بين ظهرانينا.
كثيرة هي المراكز والشوارع والأماكن المسماة باسم هذا العالم الفذ، لكن القليل منها يرقى إلى مساهماته الجليلة في تاريخ الفكر الإنساني. إن إعادة إحياء تراث الرجل في أقدم عاصمة مستقلة عن الخلافة العباسية، وحاجة أصحابه إلى إحيائه، تجعل من هذه المبادرة ليس مجرد فكرة قابلة للطرح لكنها جديرة بالتبني والازدهار.
غير أن كل ذلك رهن بموافقة الجهات المعنية في المغرب الشقيق، فهم أصحاب الدار، ولهم الكلمة الفصل في ذلك، تبعا للبروتوكولات والاتفاقات الدولية المتبعة في مثل هذه المجال. ويبقى الاستثمار في الفكر والعقل والثقافة بآليات عصرية اقتصادية وسياحية مطلبا تنشده كل الدول.
[email protected]