شعبياً، لم يكن وقع القرار السعودي على الشعب اللبناني سهلاً، فهذا الشعب الذي يئن من وطأة أزماته المعيشية، السياسية والاقتصادية، دخل في محنة جديدة تصب في نجاح حزب الله في بدء سلخ هذا الشعب عن ارتباطه العربي، لهذا انتشرت مئات آلاف التغريدات المؤيدة للقرار السعودي والمعبرة عن غضبها من الدولة اللبنانية وسطوة «حزب الله»، ومنها: «حتى تنتهي هذه المهزلة يجب استقالة #ميشال_عون الذي يؤمن لميليشا #حزب_الله الغطاء السياسي والشرعي، استقالة ميقاتي لا تُقدم ولا تُأخر»، «منرجع من كرر، ارفعوا الاحتلال الإيراني عن لبنان»، «استقالة قرداحي فقط ما رح تنفع لازم استقالة الحكومة ورئيس الجمهورية أصبح واجب وطني وخلصنا بقى»، «لبنان في ذمة الله»، وغيرها من التغريدات التي حملت في طياتها غضبا كبيرا من سياسة الدولة الخارجية.
لبنان مخطوف
أشار عضو حزب «القوات اللبنانية» النائب عماد واكيم، في تصريح لـ«اليوم»، إلى أن «هنالك جملة من التصرفات الخاطئة التي يقوم بها مجموعة من السياسيين اللبنانيين بحق السعودية التي لطالما وقفت بجانب لبنان ولم تطلب منه شيئاً في مقابل ذلك، إلا أن حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون بعد الحرب السورية لا يوفران جهداً في توجيه السهام تجاه السعودية والتطاول على أمنها وسيادتها إن كان عبر لسان حسن نصرالله أو من خلال سكوت رئاسة الجمهورية عن هذا التطاول»، لافتاً إلى أنه «لا يمكن القول إننا نريد أفضل علاقات مع الدول العربية عموماً والسعودية خصوصاً ونحن نسمح للحكومات المتعاقبة بالتعدي على المملكة إن كان هذا التعدي من خلال حزب الله عبر تحركاته العسكرية أو من خلال التصاريح الصادرة إما عن أبواقه أو أبواق حلفائه».
ويقول واكيم: «مهما حاولوا أن يصبغوا حزب الله بالصبغة اللبنانية على أنه حزب لبناني، لن يحصل ذلك لأنه حزب إيراني ويعمل وفق مصلحة الولي الفقيه»، مشدداً على أن «أغلبية الشعب اللبناني أصبح يعارض حزب الله وسياسة الإلغاء والعزلة التي يتبعها بحق لبنان وشعبه، والانتخابات المقبلة ستبيّن حجم ذلك»، مضيفاً: «يجب استقالة قرداحي فوراً، ووقف تهريب المخدرات والكبتاغون إلى السعودية»، جازماً بأن «لبنان مخطوف من قبل حزب الله وإيران ويجب تشكيل خلية أزمة من خارج المنظومة السياسية لحل هذه الأزمة، كما على ميقاتي المبادرة من خلال قنواته لرأب الصدع مع المملكة».
الدولة منحازة
يجزم الوزير السابق سجعان قزي، في تصريح لـ«اليوم»، بأن «لبنان في أزمة قديمة ـ جديدة بينه وبين دول الخليج عموماً وخصوصاً السعودية بسبب خيارات الدولة اللبنانية لناحية سياستها الخارجية، وانحيازها الواضح إلى سياسة حزب الله»، موضحاً أن «هذه الأزمة تحتاج إلى معالجة بالعمق ولا يمكن معالجتها إلا إذا تغيّر الحكم أو تبدلّت خياراتها الخارجية. وتغيير الحكم حالياً غير متوفر قبل سنة أي بعد إجراء الانتخابات النيابية المقبلة وتغيير إستراتيجيته لا نرى بوادر تشجع على احتمال حصولها، وخير دليل على ذلك كيف تم التعاطي في قضية الوزير قرداحي».
ويقول: «لكي نعالج هذه الأزمة القديمة ـ الجديدة يجب أن نبدأ بمعالجة إبقاء الوزير قرداحي في الحكومة، وفي هذا الإطار هنالك حلان: الأول، حل يقضي باستقالة الوزير شخصياً وأتمنى أن يقدم عليها وينقذ مصالح لبنان واللبنانيين بغض النظر إذا كان قد أدلى بتصريحاته أثناء وجوده في الوزارة أم قبل ذلك، الحل الثاني، يكون باستقالة الحكومة وبقدر ما نحن نعارضها منذ تشكيلها لهيمنة حزب الله عليها، إلا انه في الوقت ذاته سيبقى لبنان من دون حكومة وستتعطل الانتخابات النيابية وبعدها الانتخابات الرئاسية»، مشدداً على أن «المطلوب أن يستقيل الوزير ومن بعدها أن تتم معالجة العلاقات اللبنانية ـ الخليجية على أسس جديدة، إذ كانت هذه الدول العربية كانت دائماً إلى جانب لبنان ويكفي التنكيل بمواقفها والتنكر إلى دعمها وسياستها تجاه اللبنانيين».
خطوات التصحيح
يشدد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية إيلي رزق، في تصريح لـ«اليوم»، على أن الحل للأزمة الواقعة مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، تبدأ بـ«استقالة قرداحي وميقاتي وتمكين المعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية لعدم تحويل لبنان إلى معبر أو ممر لتهريب المخدرات وعدم تحويل لبنان إلى منبر للتهجم الإعلامي على الدول الخليجية والعربية»، لافتاً إلى انه «إذا تم التعامل بجديّة مع هذه الملفات، لن يعدّ هنالك من أي سبب لعدم تصحيح العلاقات مع المملكة العربية السعودية».
ويقول: «على لبنان أن يقرر هل هو عربي ومحوره عربي، أم انه فارسي ومحوره إيراني»، مضيفاً: «يجب على لبنان أن يقرر هل يريد أن يكون في محور الصداقة والعلاقة الجيدة مع الدول العربية والخليجية، أم أن يكون ممّرا ومعبرا للتهريب والتهجم على السعودية وان يكون عدوّاً لها، هذه الإجراءات لا يجب أن تكون بيانات وتمنيات بل يجب أن تكون إجراءات حقيقية إما أن يقيل الرئيس نجيب ميقاتي الوزير جورج قرداحي أم أن يستقيل من الحكومة».
خطوات خطره
ويؤكد المحلل السياسي الياس الزغبي، في تصريح لـ«اليوم»، أن «ما حصل بالفعل هو نتيجة تراكمات بعيدة المدى في الزمان والمكان والفاعلية، ولم يعد من الممكن معالجة كل هذه السلبيات التي راكمها لبنان ضد المملكة العربية السعودية والخليج العربي والعرب عموماً إلا بإجراءات حاسمة فلا يكفي أن يستقيل وزير ارتكب خطيئة مميتة لأن المسألة ليست مسألة هذا الوزير بالذات، بل هذا النهج الذي يمثله منذ سنوات وهو النهج الذي يقوم به حزب الله وراءه إيران في الاعتداء الإعلامي والسياسي ضد المملكة ومجلس التعاون الخليجي».
ويقول: «المطلوب الآن من لبنان خطوة أقوى وأبعد أي أن تستقيل هذه الحكومة برمتها والتأسيس لمرحلة جديدة يكون فيها حزب الله منبوذاً أكثر من الرأي العام، خصوصا بعد هذه الارتكابات التي عبّر عنها وزير الإعلام»، لافتاً إلى أن «حزب الله يستعد على خطوات أشد خطراً على وحدة لبنان وعروبته لكي يدخله نهائياً في المحور الإيراني على مستوى السلطة والشعب والمؤسسات جميعها، لهذا كان التصدي له في غزوة عين الرمانة ـ الطيونة، والتصدّي له في القضاء من خلال منعه من إعفاء المحقق العدلي في انفجار بيروت القاضي طارق البيطار، كل هذه الخطوات التي باء بها بالفشل يجب أن تتراكم لكي نعيد بناء لبنان كما يجب أن يكون، دولة عربية ذات انتماء عربي واضح، بعلاقات عربية سليمة وشفافة وصافية ويعود إلى موقعه الطبيعي وهذا يتطلب تغيير كل هذه المنظومة السياسية التي تدير الحكم حالياً».
طفح الكيل
وأصدر رؤساء الحكومة السابقون فؤاد السنيورة، سعد الحريري وتمام سلام بيانا جاء فيه: «يستنكر الرؤساء السابقون ويدينون المواقف الخارجة عن الأصول والأعراف والمواثيق العربية والدبلوماسية والأخلاقية التي صدرت عن وزير الإعلام في الحكومة جورج قرداحي، وإنّ الخطوة الأولى المطلوبة وفي الحد الأدنى هي في أن يدرك الوزير المعني إلى ما أوصلته مواقفه من إِضرار بالمصلحة الوطنية العليا للبنان، وبالتالي في أن يبادر ويسارع إلى تقديم استقالته. إذ إنّ استمراره في الحكومة أصبح يشكّل خطراً على العلاقات اللبنانية- العربية وعى مصلحة لبنان وعلى مصالح اللبنانيين في دول الخليج العربي وفي العالم».
أضاف: «إنّ لبنان لم يعد قادرا على تحمل الضربات والانتكاسات المتوالية التي وقعت وألمت به نتيجة انحراف السياسة الخارجية للبنان بشكل مخالف للسياسة التي أعلنت الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن التزامها بها لجهة النأي بالنفس عن الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية، وذلك بالانضمام إلى المحور الذي تقوده إيران في المنطقة، وكذلك من خلال الدور التدخلي والتدميري الذي اضطلع به حزب الله منذ انخراطه في الأزمات والحروب العربية انطلاقاً من التورط بالحرب السورية ومروراً بالتورط في أزمة العراق وفي الكويت، ووصولاً إلى التورط في حرب اليمن التي تشنها إيران على المملكة العربية السعودية وعلى دول الخليج». وختم البيان بالقول: «لقد طفح الكيل أيها السادة ولبنان لا يمكن أن يكون إلا عربيا مخلصا متمسكا بإخوانه الذين أسهموا في دعم استقلاله وحرياته وسيادته وتألقه وتفوقه».
الكويت تطرد
طلبت دولة الكويت أمس من القائم بأعمال السفارة اللبنانية لديها مغادرة البلاد خلال 48 ساعة واستدعاء سفيرها في لبنان للتشاور. وأكدت وزارة الخارجية في بيان: أن القرار يأتي نظرًا لإمعان الجمهورية اللبنانية واستمرارها في التصريحات السلبية وعدم معالجة المواقف المرفوضة والمستهجنة ضد المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إضافة إلى عدم اتخاذ حكومة الجمهورية اللبنانية الإجراءات الكفيلة لردع عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة لآفة المخدرات إلى الكويت وباقي دول مجلس التعاون. وأضافت: إنها إذ تأسف لما آلت إليه الأمور فإنها في ذات الوقت لتؤكد حرصها على الأشقاء اللبنانيين المقيمين في دولة الكويت وعدم المساس بهم. وذكرت أن ذلك يأتي بناء على البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية بتاريخ 24 أبريل 14 و27 أكتوبر 2021 واستنادا على ما يربط دولة الكويت والمملكة العربية السعودية من جذور تاريخية وروابط عميقة ومصير مشترك.
الإمارات تسحب
أعلنت دولة الإمارات، أمس عن سحب دبلوماسييها من لبنان. ونقلت وكالة أنباء الإمارات (وام) عن خليفة شاهين المرر، وزير دولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، إن «قرار سحب الدبلوماسيين جاء تضامنا مع المملكة العربية السعودية الشقيقة في ظل النهج غير المقبول من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين تجاه المملكة».
وأشار إلى استمرارية العمل في القسم القنصلي ومركز التأشيرات في بعثة الدولة لدى بيروت خلال الفترة الحالية. كما قررت دولة الإمارات منع مواطنيها من السفر إلى جمهورية لبنان.
قطر تستغرب وتستنكر
ومن جانبها أعلنت دولة قطر عن استغرابها الشديد واستنكارها التصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الإعلام بالجمهورية اللبنانية.
وعدَّ المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية في بيان أمس، هذا الموقف من وزير الإعلام اللبناني الجديد موقفاً غير مسؤول تجاه بلده وتجاه القضايا العربية على حد سواء، مشيراً إلى أنه كان حريّا به عدم الزج بلبنان في أزمات خارجية.
وقال البيان: إن وزارة الخارجية تدعو الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد وبشكل عاجل وحاسم لتهدئة الأوضاع وللمسارعة في رأب الصدع بين الأشقاء.
مئات آلاف التغريدات المؤيدة لغضب المملكة من الدولة اللبنانية
حتى تنتهي المهزلة.. يجب استقالة عون الذي يؤمن الغطاء السياسي للميليشيات
رؤساء الحكومة السابقون: وزير الإعلام خطر على مصلحة لبنان
الإمارات تسحب دبلوماسييها من بيروت وتمنع مواطنيها من السفر إلى لبنان
الكويت تستدعي سفيرها وتطلب من القائم بأعمال السفارة اللبنانية المغادرة
زغبي: التصدي لمشاريع «حزب الله» واستعادة لبنان ذي الانتماء العربي بدأ
قطر تعلن استغرابها الشديد واستنكارها التصريحات
وقع لبنان الرسمي والشعبي مجدداً في أزمة خطيرة وكبيرة جداً مع الدول العربية وتحديداً المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بسبب هيمنة «حزب الله» وإيران على النظام السياسي اللبناني وكل مفاصل الدولة ومؤسساتها، لم يكن تصريح الوزير جورج قرداحي السبب الوحيد لقيام السعودية بمجموعة إجراءات ديبلوماسية وأمنية بحق لبنان، بل حماية سيادتها واستقرارها وأمنها تجاه التعديات اللفظية والواقعية وتقاعس الدولة اللبنانية على وقفها لناحية تحويل لبنان إلى منبر عدائي بحق العرب ووقف تهريب «الكبتاغون» والمخدرات نحوها، هو ما دفع المملكة لهذه الإجراءات.