إنها لمفارقة العالم الحديث التي يوفر فيها العلم والتكنولوجيا ما لم نحلم به فيما مضى من الحياة المديدة والصحة والتفاعل الاجتماعي، فعلى الرغم من أننا نعيش حياة أطول، لكن ذلك لا يعني أنها حياة أكثر سعادة ونجاحا، ففي ١٩٩٠ احتل الاكتئاب السبب الرابع للمرض في أنحاء العالم، وفي سنة ٢٠٠٠ أصبح السبب الثالث، وفي ٢٠١٠ احتل المرتبة الثانية، أما في عام ٢٠١٧ فقد وضعته منظمة الصحة العالمية في المرتبة الأولى، فالعديد من الناس يشقون طريقهم بصعوبة ويفتقدون لأبسط مقومات الحيوية النفسية، لأننا لم نرق إلى مستوى التحديات التي تواجهنا كبشر في العالم المعاصر، فبعض الأشياء ذاتها التي حرصنا على القيام بها على مدار المائة عام الأخيرة لتعزيز الرخاء الإنساني كانت المسؤولة عن خلق مشكلتنا، فعلى سبيل المثال فإن حالة الانفجار التكنولوجي المتسارع من الإذاعة إلى التلفزيون إلى الإنترنت إلى الهاتف الذكي إلى وسائل التواصل الاجتماعي إلى الروبوتات أوجدت تحديات عقلية واجتماعية كبيرة، دون أن نتمكن من تكييف ثقافتنا وعقولنا بسرعة متناغمة معها، فعندما يتغير العالم الخارجي بهذه السرعة، فمن المنطقي أن يكون عالمنا الداخلي بحاجة أيضا إلى التغيير، وقد يكون من الصعب معرفة الخطوات المناسبة لهذا التغيير، ولكن الخبر السار أن علم المرونة النفسية قد توصل لإجابة معقولة لكيفية التفاعل مع التحديات ومواجهتها بذكاء، فالمرونة النفسية هي حزمة من المهارات تتضافر سويا لتمنحك القدرة على التفكير بانفتاح، لتحرك حياتك في اتجاهات مهمة بالنسبة إليك، وتسمح لك بالتوجه نحو معاناتك وقلقك بطريقة هادئة وعدم الابتعاد والانسحاب والإنكار، أو الانكفاء على الشكوى عبر اجترار الماضي، بل تمكننا من قبول الحياة بشجاعة واقعية، والتحرر من التصلب النفسي الذي يدعونا للهروب بالانكار والتشتت أو الإغراق في العمل وغير ذلك من الأشكال غير الصحية لتسكين المشاعر المؤقت، ويمكننا استعراض أهم مهارات المرونة النفسية في ست نقاط، أولها في الابتعاد عن أفكارنا لمسافة كافية تمكننا من النظر اليها واختيار استجابتنا بهدوء بعيدا عن ثرثرة أذهاننا، وأن نعيد التأمل في القصة التي أنشأناها عن أنفسنا واكتسبت مصداقية حول من نكون، بأن نمنح أنفسنا الفرصة لرواية القصة بشكل جديد، وأن نسمح لأنفسنا بمواجهة الشعور وعدم إنكاره حتى عندما تكون المشاعر مؤلمة أو تخلق إحساسا بالضعف، وأن نتدرب على توجيه الانتباه بطريقة متعمدة واعية لما هو موجود هنا والآن، بدلا من السرحان وتشتيت الانتباه بين الماضي والمستقبل، وأن نختار قيمنا التي نريد أن نتطور نحوها بحيث تكون موجهة ذاتيا للتحفيز نحو حياة ذات معنى وليست بدافع التوافق الاجتماعي فقط، وفي النهاية أن نصبر على عملية بناء العادات التي تدعم هذه الخيارات، بشكل مستمر وبخطوات صغيرة مرتبطة ببناء عادات كبرى تدعم المحبة والرعاية والمشاركة، ومن خلال التطوير المستمر لمهارات المرونة النفسية فإنك تصبح قادرا بشكل متزايد على الاستفادة من طاقة أفكارك ومشاعرك الحالية وتحويلها إلى طاقة للنمو.
@LamaAlghalayini