- متفائل جدا، وعلى ثقة تامة بأن وزارة الثقافة سوف تقوم بعمل تغييرات ونقلات مهمة، فهي تعمل على خدمة الثقافة بما يتواكب مع النهضة الحضارية العظيمة التي تشهدها المملكة، وما قاله صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، من أننا نعيش -مرحلة ما بعد النفط- في الجانب الاقتصادي، وكان يركز -يحفظه الله- على الثروات الأخرى، التي تتميز بها المملكة، وعلى رأسها ثروة الوطن الأولى المتمثلة في الشباب وعقولهم التي تواكب النقلات العلمية والفكرية العظيمة في شتى المجالات، والتي جعلت رؤية المملكة 2030 تعمل على بناء مدينة عظيمة اسمها «نيوم» تعتمد كليا على الذكاء الصناعي، وعلى توظيف الروبوت في الكثير من مناحي الحياة هناك، وما تتميز به المملكة من تقدم في مجال التقنية والانتقال نحو الحكومة الإلكترونية، والاهتمام بالسياحة والترفيه وجودة الحياة، وهذا سيجعل وزارة الثقافة بلا شك تفكر بعقلية مختلفة، تتواكب مع هذا المستوى، وتتماشى مع النقلات العظيمة التي تحدث في كل الميادين، لتتخلص على الفور من التركة والعقلية القديمة، التي لا تزال تفكر في أن الثقافة هي «الأدب فقط»، وأنها تقتصر على ما تقدمه الأندية الأدبية -التي تجاوزها العصر- وحتى الإصدارات تعاني عدم القدرة على توزيعها، أو حتى بيعها واسترجاع تكاليف طباعتها، إنها مشكلة تحتاج إلى قرار جاد وفوري من وزارة الثقافة في تحويل هذه الأندية إلى مراكز ثقافية والاستفادة من مقراتها لتشمل كل أنواع الفنون: المسرح الشعبي الجماهيري وليس النخبوي الثقافي، والسينما، والفنون البصرية، والموسيقى، وورش كتابة السيناريو والمسرح، وتنمية مواهب الشباب في هذا الجانب، وتقليص نشاط الأدباء والأدب، ويكتفى بغرفة أو لجنة خاصة بهذه النوعية التقليدية من النشاط الإبداعي المحدود، فالإبداع يتجاوزهم الآن إلى تلك المجالات العديدة التي ذكرناها، وهكذا سوف تكون هذه المقار مراكز ثقافية عظيمة، أو قصور ثقافة، كما تسمى في بعض الدول.
● كيف ترى إقامة مؤتمر الأدباء؟
- أنا لست مع إقامة مؤتمر للأدباء أساسًا، المفترض أن تقام مؤتمرات ثقافية عامة، تشمل كل أنواع الثقافة والأدب، وليس فقط للأدباء، حتى فيما مضى، وفي تاريخنا المجيد، عرّف ابن عبدربه الأدب على أنه «الآخذ من كل علم بطرف»، وقتها كان الأدب يعني شمولية الثقافة وليس فقط نمطا معينا من الألوان الإبداعية، كما ذكرنا «قصة رواية وشعر»، والأدب الذي قصده ابن عبدربه في العقد الفريد شمولي يتضمن كل المعارف والعلوم، هذا في الزمن القديم الذي لم يكن به مسرح ولا دراما ولا سينما ولا موسيقى بالمستوى الموجود حاليا، لهذا تجد أن كتب التراث، مثل العقد الفريد والأغاني وغيرهما، تشتمل على العديد من الفنون والإبداعات، ولا تقتصر على السرد والشعر والحكاية.
● وما رأيك في جمعية الأدب؟
- أعتبرها غير ناجحة قبل أن تبدأ، وهناك شواهد على ذلك تتمثل في الجمعيات الخاصة بالأعمال الإبداعية، التي فشلت بسبب عدم قدرتهم على تمويلها، فالمسألة مادية صرفة، و«الأدب لا يؤكل عيشًا» كما يقال.
● هل ترى أن النشر الإلكتروني يمثل مستقبل النشر؟
- أرى أنه هو الحل الآني، فقد كنا لا نطبع من الكتب أكثر من 1200 نسخة، عدا مجموعتي القصصية: «امرأة من ثلج»، التي طبعت منها 3 آلاف نسخة، وانتقدتني حينها الكاتبة الكبيرة «غادة السمان»، التي كتبت عني في بعض الصحف والمجلات باعتباري ابنًا لها في الأبجدية؛ كوني متأثرًا بها في أعمالي الإبداعية، حين أصبح بيننا رسائل أدبية- تبعث بها على شكل «تليجراف» مكتوب على ظرف مقوى يتضمن لوحة فنية، مرة من لبنان، ومرات من باريس، وذلك قبل عام 2000 بقليل، وانتقدتني كوني طبعت 3 آلاف نسخة عن طريق نادي الطائف الأدبي، كون هذا العدد يقارب 3 طبعات، وأكدت لي حينها أنهم يعدون كل ألف نسخة طبعة، وقالت: لو جعلت منها 3 طبعات لكان أفضل، هذا قبل 20 عاما، فما بالنا باليوم، وفي زمن لم يكن فيه لمواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع الإنترنت حضور، وهذا أيضا مرتبط بقامة أدبية كبيرة مثل غادة السمان، فما بالنا بكتاب عاديين لا يمتلكون الشهرة الكافية التي تروج لكتبهم.
فواقع الحال مأساوي، وأنا شخصيا بعد أن وقعت في معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2017 مجموعتي القصصية الخامسة، وهو الكتاب الثالث عشر من مجموع إصداراتي، قررت حينها التوقف عن الطباعة وعن الكتابة القصصية، وأقصد هنا القصة القصيرة على وجه التحديد؛ لأني مؤمن بأنها فن ليس له جمهور، ويمكن أن أكتب يومًا رواية جديدة، خاصة أن روايتي «رعشة جسد» طبعت 3 طبعات، ثم حين قررت الدار أن تغلق أبوابها بسبب إحباطات النشر والتوزيع والعائد المادي، سلّموني 800 نسخة من الطبعة الأخيرة من روايتي، وهي لدي الآن في مستودع خاص يشغل حيزًا من منزلي، رغم أني لم أدفع ريالًا واحدًا على أي كتاب طبعته، فالطباعة أصبحت ورطة كبيرة.
● كيف ترى المشهد النقدي في الساحة الثقافية؟
- لا يوجد شيء اسمه نقد، هناك قراءة للعمل الإبداعي، والقارئ يجب أن يمتلك أدوات القراءة، وأن يكون قادرا على كشف كثير من الجوانب الخفية في النص، وهي حاليا عبارة عن استشهادات من نصوص إبداعية لكتاب يوظفها قارئ النص لمشروعه النقدي، إذا اعتبرنا أن هناك مشروعا نقديا أساسا، باعتبار أن من لديهم مشروعات نقدية هم قلة جدا.
● هل دراسة الفلسفة ذات جدوى للأجيال القادمة؟
- الفلسفة مهمة جدا بالفعل، واليوم يتم تدريس مادة اسمها «التفكير النقدي» لطلابنا في المرحلة المتوسطة، وأعتقد أن الكثيرين لاحظوا تهكّم بعض المتشددين «عبر وسائل التواصل»، كما ورد من نصوص أو أسئلة في هذه المادة المهمة، وهم يجهلون فعلًا الفلسفة، ولا يحبون التعاطي معها، وغاب عنهم أن التقدم الحضاري والتقني والتكنولوجي برمّته لم يحدث إلا عبر الفلسفة، وأنها أُمّ العلوم، فهي تمكن الإنسان من إدراك ذاته ومحيطه، وتجعله يتعرف على نفسه وكُنه وجوده، والأسئلة الموجودة في المقرر انتقدت كونها مستندة على منهج «الشك»، وأعدها أساسا في بناء العقول الناضجة.
● ما الفارق بين جيلكم وجيل الشباب في عالم الثقافة والأدب؟
- أثق تماما في الشباب، إذا اعتبرت أننا من جيل الشيوخ أو «الشيبان»، وشخصيًا أراهن على الأجيال القادمة، فهم أكثر وعيًا ونضجًا وتحضرًا ومواكبة للواقع المعاش، وهم قادرون على أن يقدموا أنفسهم باحترافية عالية، وفي المكان الصحيح، وقد عمل معي فرق عمل شابة هذه الفترة، وفعلا وجدت أنهم مشرّفون جدا، وحريصون على تقديم أنفسهم بشكل متميز واحترافي.
● كيف تقيّم تجربتك الإبداعية بعد هذه السنوات؟
- ندمت على أنني لم أعمل في مجال أكثر فائدة، حتى على مستوى الكتابة والإبداع، وكانت هناك مجالات كثيرة يمكن العمل بها، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
«السمان» كتبت عني في الصحف والمجلات باعتباري ابنها في الأبجدية
الفلسفة أم العلوم وعن طريقها تحقق التقدم الحضاري والتقني