ولكن حقيقة آمنت مؤخراً أن المدن تشعرنا بالحنين؛ وتأسرنا من غير أن نشعر لنعود لها مجدداً.
ولقد عشت في مدينة الخرج القريبة من الرياض، وكانت مدينة هادئةً وجميلةً تقترب من حضارة الرياض وتخلو من صخبها، وكنت أحلم بالانتقال لمدينة الرياض كونها تخدمني في مجالي الإعلامي، وبلا شك فهي عاصمة ومركز التطور الإعلامي.
وبعد مضي أحد عشر عاماً من العيش في (الرياض)، صرت أشعر بأنها متعبة؛ أكثر من كونها مبهجة..!
وباتت فكرة العيش خارج العواصم تراودني كثيراً.! لاسيما أن غالبية دول العالم يفضلون العيش بعيداً عن العاصمة. إذا كانت ظروف أعمالهم تسمح بذلك..
ولعلنا نحتاج لهذه الثقافة في الفترة الأخيرة، ليجد العديد من الناس سبلاً أسهل في حياتهم الشخصية، كالتملك والاستثمار وبناء المشاريع، التي يكون تحقيقها في المدن الصغيرة أسهل وأبلغ نفعاً لساكنيها..وبات التوجه للعيش في المدن المتوسطة والصغيرة الحجم توجهاً عالمياً، كما حدث في ألمانيا، وكما جاء في نتائج دراسة «توجهات التغير الحضري»، التي أجراها معهد أبحاث تطور الريف والمدينة (ILS) بتفويض من مؤسسة برتلسمان.
باد نويشتات على نهر زالة في ولاية بافاريا، وأوريش الواقعة في مناطق شرق فريزن في نيدرزاكسن وغوستروف الواقعة في مكلنبورغ-فوربومرن وهايدة في ولاية شليسفيغ-هولشتاين تنتمي حسب هذه الدراسة إلى المدن الصغيرة والمتوسطة، التي شهدت نمواً ملحوظا في الفترة الأخيرة.
وبالنظر إلى موجات الحركة والانتقال، يتبين أن التدفقات السكانية وحركات الانتقال تأتي بشكل رئيسي من المدن الأكبر بين المدن الكبيرة «أكثر من 500000 نسمة». ويتحدث التقرير القادم من مركز المؤسسة في غوترسلوه عن «تحول التدفقات السكانية»، وعن التوجه إلى السكن في المناطق المحيطة.
وقد حدث الأمر ذاته في مملكتنا، خصوصاً بعد جائحة الكورونا، حيث انتقلت بعض الأسر للعيش قريباً من أهاليهم في مناطق المملكة المختلفة كنوع من الشعور بالأمان، وتبديد القلق، لاسيما أن التعليم عن بُعد قد ساعدهم على ذلك.
وبلا شك نعلم أن الحياة مراحل، ولكل مرحلة متطلبات مختلفة، نحتاج معها لمدن تشعرنا بالدفء وتمنحنا الدهشة والألفة، لنعيد ترتيب حياتنا من جديد
ونكتشف بداخلنا أمورًا أخرى لم تكتشفها من قبل.
ونبحث عن مسارات قد نحظى معها بشغف لم ندركه سابقاً؛ لا سيما أن التغيير يمنحنا بهجة الصغار، ونضج الكبار ويجعلنا نسعد بالتفاصيل الصغيره قبل الكبيرة. ونحلم كما كنا سابقاً بامتلاك النجوم، كما أنه يرفع سقف توقعاتنا المستقبلية.
ويضفي على الحياة مرونةً لم نعهدها من قبل.! وتلك ميزة رابحة قد نستبصر من خلالها الفرص القادمة لنستحث الخطى من جديد نحو القادم الأفضل -بإذن الله-.