وتشير النظرة المستقبلية المستقرة إلى أنه بالإضافة إلى التعافي الاقتصادي نتيجة الخروج من جائحة (كوفيد 19)، وتحسن أسعار النفط يظل المركز المالي وصافي الأصول الخارجية قويا بما يكفي لدعم التصنيف الائتماني.
وأشارت الوكالة إلى أن إحدى الركائز الأساسية للتعديل في النظرة المستقبلية، التزام الحكومة بالإصلاحات المالية على المدى المتوسط، بما في ذلك برنامج الاستدامة المالية والذي يهدف إلى تعزيز الانضباط المالي وتحسين فعالية إدارة المالية العامة ودعم إعادة بناء الاحتياطيات كإحدى ركائز القواعد المالية.
ونوهت الوكالة بقوة المملكة في أسواق النفط لكونها إحدى الدول المصدرة القليلة القادرة على إنتاج النفط بأقل التكاليف على مستوى العالم مما سيدعم مرونتها الاقتصادية حتى في ظل أسعار النفط المنخفضة.
وقال اقتصاديون: إن تقرير «موديز» الذي عدلت من خلاله النظرة المستقبلية للمملكة من سلبية إلى مستقرة، يعكس القوة المالية التي تتمتع بها المملكة، بما في ذلك الاحتياطيات الأجنبية المرتفعة، ونسبة الدين العام المنخفضة، مشيرين إلى أن السياسة المالية تستهدف تعزيز الاحتياطيات الحكومية لدى البنك المركزي السعودي، لتصل إلى مستويات تقارب 350 مليار ريال في العام 2022م، وهي أعلى مما كان مقدرا لها في تقديرات العام السابق، وتستمر بالتزايد على المدى المتوسط من خلال فوائض الميزانية المتوقع تحقيقها في عامي 2023 024م.
وأشاروا إلى أن تصنيف موديز يعكس متانة واستقرار اقتصاد المملكة ومرونته، وقدرته على التوسع، ويبرهن على فاعلية الإجراءات التي تقوم بها حكومة المملكة في إطار تعزيز النمو الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية والسياسات المالية والاقتصادية الرامية إلى تعزيز النمو الاقتصادي واستدامته.
وأضاف الاقتصاديون: إن التقرير الإيجابي للوكالة يشير إلى الثقة الكبيرة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي، ويعكس قوة المركز المالي للمملكة وقدرته على مواصلة النمو ومواجهة التحديات، مشيرين إلى أن التقييم الائتماني يقدر الجهود التي بذلتها حكومة المملكة خلال السنوات السابقة لتعزيز الشفافية والإفصاح في المالية العامة ودورها في رفع مستويات شفافية الميزانية العامة للمملكة في عدة مؤشرات عالمية.
وأوضحوا أن التقرير يؤكد نجاح خطط تنويع اقتصاد المملكة وأثرها في رفع النمو الاقتصادي السعودي على المديين المتوسط والطويل، مع استمرار إسهام الإصلاحات التي تجريها الحكومة في نمو الإيرادات غير النفطية، لافتين إلى أن في هذا الإطار تستهدف حكومة المملكة استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أجرتها في ظل رؤية المملكة 2030، ومنها تطوير المالية العامة، من خلال تحقيق أهداف برنامج الاستدامة المالية الذي يسعى إلى مواصلة العمل على مبادرات برنامج تحقيق التوازن المالي والتحول إلى الاستدامة المالية عبر عدد من المبادرات والإجراءات.
وقال الاقتصاديون: إن تقرير «موديز» يدل على أن تعافي الأداء والنمو الاقتصادي بالمملكة يعد عنصرا مهما في تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية لعام 2022، إذ تظهر المؤشرات تعافيا مستمرا في أغلب الأنشطة الاقتصادية، مع توقع استمرار ذلك التعافي في بعض الأنشطة بمعدلات أسرع قد تتجاوز مستويات ما قبل الجائحة.
مبادرات وإجراءات لتحقيق التوازن المالي
قال الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري إن تصنيف وكالة التصنيف الائتماني موديز يأتي في إطار الجهود المالية والإصلاحات الاقتصادية في منظومة القطاع المالي على وجه الخصوص إضافة إلى شمولية الأنشطة الاقتصادية الأخرى وكذلك جدارة واتساق السياسة المالية للمملكة والتي تعكس القدرة في التعامل مع تذبذبات أسعار النفط مما يعزز الاستدامة المالية على المدى الطويل.
ولفت إلى أن الوكالة قدرت في تقريرها الحالي أن يصل العجز في الميزانية للعام المالي 2021 م إلى نسبة (2.5 %) منخفضا من نسبة (11.2 %) خلال العام 2020م، وانخفاض النفقات خلال الحالي والقادم بنسبة 6 % في العام 2021م و6 % أخرى في العام 2022م وكذلك انخفاض حجم الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2021 م إلى ما دون 29 %.
وتابع: «قدرت الوكالة أن يصل حجم الدين إلى حوالي نسبة 25 % بحلول عام 2025م منخفضا من نسبة 32.5 % خلال عام 2020م. على أن يتراوح حجم الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام القادمة ما بين 25 % - 30 % وهو يعد أفضل من توقعاتها لدول مقارنة بتقييم ائتماني مماثل والذي يتراوح ما بين 35 % - 40 %. وهو ما يؤشر إلى النظرة المستقبلية المستقرة إلى قوة المركز المالي وصافي الأصول الخارجية للمملكة، مدعوما بتعافي القطاع غير النفطي نتيجة الخروج من جائحة (كوفيد 19) واستمرار منظومة كفاءة الإصلاحات المالية على المدى المتوسط، بما في ذلك برنامج الاستدامة المالية والذي ساهم خلال الفترة 2015م -2020م في نمو الإيرادات غير النفطية بنسبة أكثر من 18 % والذي كان يمثل في 2015م نسبة تقل عن 10 %، كما خفض النفقات الأولية والتي لا تشمل خدمة الدين من نسبة 56 % إلى نسبة 53 % في 2020م».
وقال الجبيري إن العمل متواصل من حيث كفاءة الإنفاق الرأسمالي من قبل صندوق الاستثمارات العامة تجاه المشاريع الكبرى يستهدف 4-5 % من الناتج المحلي خلال الأعوام القادمة، مشيرا إلى أن المملكة أثبتت قوة ومتانة وضعها الاقتصادي من خلال قدرتها على احتواء الأزمات الطارئة، واستكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أجرتها في ظل رؤية المملكة 2030، ومنها تطوير المالية العامة، من خلال تحقيق أهداف برنامج الاستدامة المالية الذي يسعى إلى مواصلة العمل على مبادرات برنامج تحقيق التوازن المالي والتحول إلى الاستدامة المالية عبر عدد من المبادرات والإجراءات منها: تبني قواعد مالية من شأنها المساهمة في تعزيز الضبط المالي، والسيطرة على مستويات عجز الميزانية لعام 2022م، الذي يقدر أن يبلغ نحو 1.6 % من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يستمر في الانخفاض التدريجي على المدى المتوسط، وتحقيق فوائض في الميزانية بدءا من العام 2023م.
قدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية
أكد الخبير المالي د. حسين العطاس أن تقرير وكالة موديز وتصنيفها للمملكة يعكس قوة واستقرار المركز المالي والنقدي للمملكة في ظل رؤية المملكة 2030 ومدى قدرتها على التحول من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على المصادر غير النفطية، مشيرا إلى أن تلك القدرة تحفز على مواجهة التحديات وتحسن من جذب الاستثمارات الأجنبية، مشيرا إلى أن الوكالة تشير في تقريرها إلى أن تحسن أسعار النفط مع الإصلاحات الاقتصادية أدى إلى تحسن المؤشرات على رأسها: انخفاض العجز في الميزانية، وتحقيق أول فائض فصلي منذ عام 2019، وزيادة في حجم وتوعية الاستثمارات الأجنبية.
وأضاف العطاس: إن إجمالي الاستثمارات الأجنبية في سوق المال بلغ نحو 306 مليارات ريال يمثل نحو 3 % من حجم السوق، وذلك نتيجة للإصلاحات في النظام المالي في ظل برنامج تطوير القطاع المالي، مشيرا إلى أن من المتوقع تحسن أسعار النفط واستمرارية نمو الإيرادات غير النفطية مما يدعم المالية ويسرع في مشاريع وبرامج رؤية 2030.
تنويع مصادر الدخل لتحقيق النمو
أفاد عضو جمعية الاقتصاد السعودية سعد آل ثقفان بأن تقرير موديز يعكس ما نفذته الحكومة من جهود لتحقيق رؤية 2030 وذلك بتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط بعد تذبذب أسعاره من حين إلى آخر مما قد يؤثر على مسيرة المشاريع التنموية إلا أن ما تقوم به الحكومة من برامج ومبادرات تصدت لتداعيات جائحة كورونا، مشيرا إلى أن المملكة خرجت من الجائحة أقوى من ذي قبل، مما يعكس عودة المملكة إلى النمو الاقتصادي.
وأضاف إن الربع الثاني من العام الحالي بلغ النمو الاقتصادي 1.8 % ونمو القطاع غير النفطي بنسبة تجاوزت الـ 8 % وجاءت الميزانية بنهاية الربع الثالث بفائض قارب 6.6 مليار ريال وعودة الميزان التجاري والحساب الجاري إلى الإيجابية وكذلك عودة الاحتياطيات الأجنبية إلى الارتفاع، فيما يتوقع لاقتصاد المملكة في الأعوام القادمة أن يحقق نموا أفضل وفقا لما تشير إليه التوقعات الحكومية والمؤسسات العالمية إلى نمو الاقتصاد بشكل قوي في 2022 واستمرار النمو في الأعوام التي تليه مع عودة الميزانية إلى تحقيق فائض وانخفاض نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي.