مع مؤشرات قرب خلاص العالم من جائحة كوفيد 19، التي اقتضت اتخاذ إجراءات احترازية لحماية الأفراد والمجتمعات من هذا الوباء في كل المجالات الصحية والاقتصادية وغيرها وفي مقدمتها التحول للتعلم عن بُعد تلافياً لما قد يسببه ازدحام المدارس والفصول بالطلبة ومعلميهم، ولتوفير ما تطلبه هذا التحول من استخدام التقنية الحديثة بديلاً للتفاعل المباشر بين المعلمين والطلاب في كل مراحل التعليم، ومع أن بلادنا والحمد لله قد حققت أفضل النتائج في مواجهة هذا الوباء، وهو ما تؤكده الإحصائيات، حيث استقرت معدلات الإصابات منذ ما يناهز شهرين بين (40 - 100) إصابة يومياً، ووصول عدد متلقي جرعتي اللقاح المضاد إلى 70 % من المواطنين والمقيمين، كما أن مؤسسات التعليم بكل مراحله استبدلت التعليم الوجاهي التقليدي بالتعليم عن بُعد، واستطاعت بحرص ولاة الأمر، وبما يمتلكه أبناؤها من الخبرات أن تقدم للطلاب والطالبات البدائل التي تساعدهم على تحقيق أفضل صورة ممكنة من التعلم عن بُعد بتوفير الشبكة العنكبوتية والأجهزة اللازمة لمتابعة الدروس عبر المنصات، التي وفرتها وزارة التعليم والمدارس والجامعات، والتي يتم تطويرها باستمرار، إضافة إلى اكتساب المعلمين والطلاب مهارات التعامل مع هذا النظام، الذي اقتضته الظروف الطارئة، مما مكن من الوصول إلى أفضل النتائج التي شهدتها الدول في هذا المجال. ومع ذلك كله فإنه لا يمكن القول إن التعليم عن بُعد حقق نفس المخرجات والأهداف، التي كانت تؤمل من التعليم الوجاهي المعتاد ليس من حيث المحتوى المعرفي للمناهج، بل وحتى من حيث إتقان المهارات العلمية والاجتماعية، التي ينبغي على الطلاب إتقانها، مما يجعل المربين والمختصين وحتى أولياء الأمور يدركون أن هناك فاقداً تعليمياً ناجماً عن التحول الاضطراري المفاجئ إلى التعليم عن بُعد، وهذه النتيجة يجمع عليها المختصون والجهات التعليمية في المملكة وفي كل دول العالم دون استثناء، ولذلك وجدنا وزارة التعليم تجري اختبارات لقياس كفاءة المتعلمين وصولاً إلى تقدير الفاقد التعليمي تمهيداً لوضع الخطط والبرامج الكفيلة بتعويض هذا الفاقد، وليس انتظاراً لانتهاء الجائحة تماماً، وهو بالضبط ما يجب فعله لتدارك هذا الفاقد ونتائجه. وقد يكون من المهم أيضاً أن نقول إن آثار هذه الجائحة لم تكن جميعها سلبية تماماً، بل إن هناك ما يمكن الاستفادة منه من هذه الآثار، خاصة في مجال استخدام التقنية في التعليم، وتوفير البنى التحتية للتواصل بين المتعلمين ومؤسسات التعليم ومصادر البحث والمعلومات، وإكساب المتعلمين مهارات الوصول إليها، مما ينبغي الحرص على تطويره واستخدامه في تحقيق نتائج أفضل في المستقبل مع ضرورة العناية بتكثيف المحتوى المهاري للمناهج التعليمية وإضافة بعض المقررات، التي تعزز ذلك كما حصل بالنسبة لمقرر التفكير الناقد، وتدريب المعلمين والطلاب وحتى أولياء الأمور -إن أمكن- على متابعة أبنائهم في تلقي هذا النوع من التعليم، الذي قد يستمر تلقي المتعلمين دروسهم في بعض المواد الدراسية من خلاله، خاصة النظرية منها، وفي هذه الحال يصدق القول «رُبّ ضارة نافعة»، خاصة إذا استفدنا من كل هذه الدروس، واستطعنا أن نجعل التعليم بعد الجائحة تعليماً مختلفاً وأكثر تأثيراً.
@Fahad_otaish