يكثر الحديث كثيرا حول أهمية ممارسة الوعي الكلي mindfulness، ويمكننا تعريفه ببساطة بأنه الوعي غير المحكوم عليه مسبقا لحظة بلحظة، وتتم تنميته من خلال إيلاء العناية بأشياء لا نوليها بالعادة لحظة من التفكير، ويمكننا بدء التدرب عليه من خلال السماح لأنفسنا بأن نشعر بكل ما هو موجود في الوقت الراهن، وهذا الموقف صحي ومريح للعقل والجسم، فهو يزيد من تركيز الاهتمام بالغرض في الوقت الحاضر وبصورة غير ناقدة، ويعتبر وسيلة للنظر بعمق في النفس وأداة مهمة للفهم الذاتي، حيث يساعدنا على المزيد من الاعتراف بأهمية أن نكون حاضرين في كل لحظة من حياتنا القيمة والغنية باحتمالات لا متناهية، تأكيدا لما تقوله الحكمة الصينية القديمة «المسار ليس هو الطريق، بل الطريق هو المسار»، فالبدء بممارسة التدريب على الوعي الكلي هو المباشرة برحلة لا نهاية لها، فهو ليس شيئا نكسبه وينتهي الأمر، بل هو ممارسة طويلة الأمد يساعدك على العيش بطريقة تجسد الصلة والحضور بالتكامل في حياتك، وإغناء وجودك بطرق لا حصر لها، ونقلك لمراحل أعمق من الفهم، حيث تعني ممارسته بأن تكون حاضرا ومتيقظا وواعيا، وعلى تماس مع سير الحياة لحظة بلحظة وبطريقة غير ناقدة، مما يعكس المودة تجاه أنفسنا وتجاه العالم ككل، وبدلا من أن نفسح المجال لأنفسنا بتجنب أو تجاهل المواقف الصعبة فإن الوعي الكلي يدعمنا لنتمكن من عيش اللحظة في كل موقف حال ظهوره، فهو مناسب للأشخاص الذين يرغبون في تعلم التعامل مع الضغط النفسي وتحسين نوعية مشاعرهم بالاعتماد على مواردهم الداخلية، عبر تغيير الطريقة التي ينظرون فيها للأحداث أو الظروف التي يمرون بها في حياتهم، من خلال خلق سياق أوسع للحالات التي يعايشونها، وبدلا من التركيز على الحالة بحد ذاتها فهم يبدأون بملاحظة الطريقة التي تربط بين مستوياتهم العاطفية والفكرية والسلوكية، وتمكينهم من خلق مسافة معينة بينهم وبين أفكارهم، والتعامل معها كأفكار قابلة للتبديل وليست كحقائق ثابتة، فالوعي الكلي هو أكثر من مجرد تقنية تستخدم لحل مشكلة، بل تحول أساسي في موقفنا من أنفسنا أيا كانت حالتنا، ومساعدتنا في الوصول لإمكانيات الشفاء الداخلي التي نمتلكها جميعا، لأن تطوير موقف لطيف ورحيم تجاه أنفسنا هو عامل رئيسي لقوة الشفاء التي يقدمها الوعي الكلي، فالتدريب على ممارسات التأمل والوعي الكلي من شأنه أن يحفز المرونة العصبية في الدماغ، ويعد ذلك مهما جدا لأنه يعكس حقيقة أن الأشخاص الذين يمارسون هذا النوع من التدريب العقلي يتعلمون كيفية إعادة توجيه أفكارهم ومشاعرهم، فمن خلال تعلم عيش اللحظة الراهنة بطريقة مجسدة يمكن للناس أن يتعلموا كيفية الإفلات من دراما التساؤلات وتوهان الأفكار بإعادة الانتباه لما هو ملحوظ بشكل أكبر وأكثر أهمية في اللحظة الراهنة، ويمكنك البدء بالتدرب البسيط على ذلك بالجلوس في وضعية مريحة وتحويل انتباهك نحو جسدك، وخذ بعض الوقت لتشعر بما في داخله من أحاسيس راهنة، محاولا مراقبتها دون تغييرها، وحول انتباهك نحو التنفس لتجعله انسيابيا بأفضل ما تستطيع، مع الانتباه لفترات التوقف بين الأنفاس، وستلاحظ أثناء التمرين أن أفكارك قفزت لأشياء أو أنشطة أو مشاعر، وهذا أمر طبيعي تماما يظهر مدى قلة تركيز اهتمامنا في الوقت الحاضر فراقب حدوث ذلك ببساطة ثم عد بإدراكك بلطف ووضوح لبداية الجولة التالية من إدخال النفس وإخراجه، وهذا بالضبط ما نحتاج لمراقبته في بداية تدريبنا.
@LamaAlghalayini