بدأ تاريخ صندوق الاستثمارات العامة منذ 50 عاما وتحديدا في عام 1971م الموافق لعام 1391هـ، بموجب المرسوم الملكي رقم (م/24)، وطوال تلك العقود الممتدة كان الصندوق رافدا اقتصاديا وطنيا ساهم -وما زال يساهم- في تأسيس الشركات الحيوية الكبرى محليا، ومموِّلا للكثير من المشاريع الإستراتيجية للاقتصاد الوطني، وقد أدَّى وجوده إلى تمكين اقتصاد المملكة من التقدم بخطوات متسارعة أهَّلته للانضمام إلى مجموعة العشرين التي تضم أقوى اقتصادات العالم، وبعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم حدثت النقلة النوعية في مسيرة الصندوق؛ إذ صدر قرار مجلس الوزراء رقم (270) المتضمن ربط الصندوق بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حيث تمت بعد ذلك عملية إعادة تكوين مجلس الإدارة ليصبح برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة.
ولما جاء مبدأ «الصناديق السيادية» التي تملكها الدول حول العالم من منطلق حماية وضمان الموازنة والاقتصاد؛ وذلك من أجل التقلبات الشديدة في الإيرادات والصادرات، وتحقيق عائد أكبر من النقد، ومساعدة الدول على توظيف السيولة وزيادة حجم الادخار للأجيال القادمة، عمل صندوق الاستثمارات العامة محافظ استثمارية رائدة، ترتكز على الاستثمار في الفرص الواعدة محليا وعالميا؛ أصبح من خلاله أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم وعمل على إنجاز أعماله لتلبية مسؤولياته الاستثمارية في المملكة، خصوصا بعد أن ارتبطت هذه المسؤولية بمستهدفات رؤية 2030، وكونه المحرك الأساسي للاقتصاد والاستثمار في المملكة.
واعتمد الصندوق إستراتيجيته الطموحة التي تساهم في تحقيق مستهدفاته، والوصول إلى مجموعة من الإنجازات الفريدة من نوعها على مستوى الصناديق السيادية حول العالم، ويشكل الصندوق عجلة التحول الاقتصادي الوطني نحو التغيير الإيجابي المستدام في المملكة، والسعي نحو قيادة النهضة التنموية للاقتصاد المحلي وتوطين التقنيات والمعرفة، وتوسعة محافظه الاستثمارية من الأصول الدولية، والاستثمار في القطاعات والأسواق العالمية عبر تكوين الشراكات الإستراتيجية وإطلاق عدد من المبادرات التي تساهم في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
ومحليا استثمر الصندوق في 4 مشاريع كبرى مصممة لتحفيز الاقتصاد، ومن المتوقع أن تمتد آثارها الإيجابية إلى ما هو أبعد من قطاعي التطوير العقاري والبنية التحتية، مما يساعد في تنويع الاقتصاد من دون الاعتماد على النفط، خاصة بسبب حجمها الضخم، فهي تدعم جهود التطور الاقتصادي في المملكة وتعزز الاستثمارات في عدة قطاعات، وفي الوقت نفسه، تحقق عوائد مرتفعة على المديين المتوسط والبعيد، حيث ستكون بمثابة مشاريع ضخمة داعمة للإلهام والاكتشاف والمشاركة للأجيال القادمة، ويوجد حاليا أربعة مشاريع كبرى لدى الصندوق هي «مشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر، ومشروع القدية، ومشروع روشن».
ونجح الصندوق في تكوين علاقات واسعة مع مختلف المستثمرين العالميين ومديري الأصول والبنوك الاستثمارية وشركات الوساطة العالمية ليصبح أحد أكبر الكيانات الاستثمارية على مستوى العالم، بالإضافة إلى تنويع استثماراته جغرافيا في قطاعات مختلفة من خلال التوسع في استثماراته في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ويسعى الصندوق من خلال الاستثمارات العالمية إلى تنويع استثماراته في مختلف القطاعات، حيث تم الاستثمار في قطاعات الصحة والتقنية والعقارات والبنية التحتية وخدمات المستهلك والمواصلات وغيرها.
أكد الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- ومنذ توليه مقاليد الحكم، واصل مسيرة الإنجازات التنموية الشاملة والتي تهدف إلى بناء الوطن والاستثمار في المواطن، وتوفير سبل الحياة الكريمة، موضحا أن هذه المناسبة عزيزة على قلوبنا، نبادل سيدي خادم الحرمين الشريفين أسمى معاني المحبة والولاء والانتماء والدعوات الصادقة بأن يحفظه الله ذخرا لنا.
وتابع: استحضار ذكرى البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يمكن أن تتجسد في واقع الأمر على النطاق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي.
وأضاف: هذه الذكرى التي تحل علينا ونحن ننعم -ولله الحمد- بنعم الأمن والاستقرار والازدهار، بل إن المملكة اليوم تعد محورا وعمقا مهما في العالم، وواقعها الاقتصادي المعاصر بات واقعا ملموسا، وهو ما ترجمته الأرقام الفعلية، والمؤشرات الاقتصادية نحو كفاءة ومواصلة النمو الاقتصادي والتنموي تسارعه المستمر، وعليه فإننا نتلمس اليوم حراكا اقتصاديا فريدا من نوعه، حيث أضحت المملكة ذات تأثير وحضور وأهمية كبرى في اقتصادات العالم.
وتابع: نجد أن هناك تطورا ونموا في مجال الاستثمارات ودور صندوق الاستثمارات، ففلسفة القوة الاقتصادية تكمن في التحول الجديد المبني على مستهدفات واضحة وممكنة بمرتكز رئيسي وهو التنوع الاقتصادي المستدام وبالرغم من المخاطر التي تعرضت لها اقتصادات العالم إلا أن الاقتصاد السعودي حقق نتائج إيجابية على المدى القصير وطويل الأجل، وهو ما حقق للمملكة ريادة اقتصادية في هذه الأزمة الحادة الطارئة.
وأشار إلى أن هذه النتائج تمنحنا ثقة كبيرة باقتصادنا وأنه يسير على الطريق الصحيح بتوقعاته التي ترتكز على توقع وإدارة المخاطر المحتملة ومن ذلك تعزيز قيمة الاستثمارات، حيث سيتم ضخ استثمارات تفوق 12 تريليون ريال في الاقتصاد المحلي حتى العام 2030م (5 تريليونات ريال من مبادرات ومشاريع برنامج شريك، و3 تريليونات ريال من صندوق الاستثمارات العامة مخصصة للاستثمارات المحلية، و4 تريليونات ريال من استثمارات الشركات الوطنية والعالمية المتنوعة، تحت مظلة الإستراتيجية الوطنية للاستثمار)، واستكمالا لهذه المنظومة انطلق مؤخرا في الرياض برنامج مبادرة مستقبل الاستثمار في نسخته الخامسة (26 إلى 28 أكتوبر 2021) تحت شعار «الاستثمار في الإنسانية»، وتناول العديد من مجالات المبادرة ومنها الذكاء الاصطناعي، وعلوم الروبوت، والتعليم، والرعاية الصحية، والاستدامة.
وأوضح أنه نتيجة لهذه المعطيات في قوة الاقتصاد السعودي فقد عدَّل صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي خلال عام 2021 مقارنة مع تقديراته السابقة، إذ رفع توقعاته لنمو الناتج المحلي للمملكة بنحو 0.4 % مقارنة مع تقرير يوليو الماضي، كما رفع توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي، بحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في نسخة أكتوبر إلى 2.8 % خلال عام 2021، مقارنة مع تقديراته السابقة في يوليو، بنمو متوقع بنحو 2.4 % كما ثبّت توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة في عام 2022 عند 4.8 %، وهي نفس تقديراته في تقريره السابق.
قالت الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز د. كارولين خان إن المملكة تمكنت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من تحقيق الكثير من الإنجازات والنجاحات على مختلف الأصعدة، ويعتبر الاستثمار واحدا من أهم المجالات التي تستحوذ على الاهتمام من القيادة الرشيدة لما له من آثار إيجابية على النمو الاقتصادي وزيادة الدخل القومي ونمو إنتاجية القطاع غير النفطي في المملكة، حيث تستهدف المملكة العربية السعودية زيادة نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 30 % بحلول العام 2030م وزيادة الاستثمار المحلي إلى 1.7 تريليون ريال سنويا بحلول العام 2030.
وأضافت: إن الاستثمارات في المملكة العربية السعودية حققت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قفزة كبيرة على الصعيدين المحلي والعالمي، وذلك بسبب التسهيلات والمبادرات التي تقدمها المملكة لدعم الاستثمار المحلي وأيضا التسهيلات المقدمة للمستثمر الأجنبي والتي تساهم في زيادة حجم التدفقات الرأسمالية من الخارج والبيئة الآمنة المستقرة والتي تنعكس على التصنيف الائتماني للمملكة بشكل إيجابي.
وأكدت خان أن الإستراتيجية الوطنية للاستثمار التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة في شهر أكتوبر للعام 2021م والتي تهدف إلى تحقيق استثمار تراكمي بنحو 12.4 تريليون ريال بحلول عام 2030 بداية مرحلة استثمارية جديدة في تاريخ السعودية تشمل تطوير مختلف القطاعات الاقتصادية في المملكة مثل قطاعات الصناعة والطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية والسياحة والنقل والخدمات اللوجستية والرعاية الصحية، وذلك بمشاركة عدد من الجهات مثل صندوق الاستثمارات العامة الذي يعتبر واحدا من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم والذي يهدف إلى قيادة عجلة التحول الإيجابي في الاقتصاد الوطني والعمل على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، كما يمتلك محافظ استثمارية رائدة في المشاريع الواعدة محليا وعالميا.