ليس سهلا أيضا أن يحدث هذا البناء، إذا لم توجد إرادة سياسية وإرادة شعبية تحقق مثل هذه المعاصرة للدولة، إذا لم توجد مقومات ومعطيات جغرافية وتاريخية وثقافية وواقعية تساهم مساهمة فاعلة كرافعة ثقيلة في تحقيق مثل هذه الإرادة وهذا الطموح.
ليس سهلا أيضا أن يجري هذا البناء على قدم وساق، وتجند له كل الإمكانات والطاقات، من شباب البلد ورجالاته من سياسيين ومفكرين ومثقفين وعلماء، في ظل وضع إقليمي متدهور ومفكك وعالمي تطاله التوترات والصراعات والحروب.
ليس سهلا أن تمضي الدولة بخطى ثابتة -أي دولة- وهي تدرك أن ثمة أعداء تتربص بخطواتها، وتسعى جاهدة لمنع تقدمها، ووضع العراقيل والعقبات لأجل تأخرها، ومن ثم إضعافها.
وحدها السعودية بسواعد أبنائها وحكمة قادتها وشيوخها تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل، لا شيء يمنعها من الوصول ولا من تحقيق طموح أبنائها.
وحدها من تفتح الأبواب على بصيص من الضوء، لعل من لديه الحكمة من العرب (وكلهم حكماء كما يخبرنا التاريخ) يلتفت ويقول: لا تغضوا أبصاركم عن الأمل الذي ترونه يلوح أمامكم، فالفرص تمر مر السحاب، وأنتم الآن في مفترقات من الطرق وليس طريقا واحدا، يستحيل معه ألا تلتفتوا، ألا تتشبثوا بهذا البصيص من الضوء.
السعودية وحدها المنقذ، نعم المنقذ من كل ما يراد للمشرق العربي ومغربه من ضعف وتفكيك ونهب لمقدراته وثرواته وخيراته. نعم المنقذ من كل مشاريع الهيمنة التي تحيط بالعالم العربي.
وليس في الأمر شيء من المبالغة، إذا قلنا السعودية هي المنقذ، ولا شيء من التعسف، إذا قلنا إن السعودية هي الطريق الذي يفضي إلى حداثة المجتمع والدولة، وهي الطريق نفسها التي تفضي إلى الأصالة والارتباط بالهوية التاريخية.
اللحظة الراهنة من الحالة العربية في الاجتماع والسياسة والاقتصاد يتطلب قول هذا الكلام دون مواربة أو خجل، ولا يذهبن الظن بأحد أن خلف كلامي «توجه شوفيني»، أو «توجه استعلائي» على الأشقاء أو الإخوة العرب. معاذ الله.
لكن دفعت السعودية دفعا كي تكون في هذا الموضع، الذي يؤهلها أن تتسنم القيادة، في لحظة، الكل يدرك أنها لحظة تحولات خطيرة يراد منها تغيير خريطة المنطقة ومن ثم تغيير جغرافيتها. ويراد منها الخضوع للخطط والمشاريع الارتكاسية المتخلفة كمشروع الحوثي وحزب الله وبقية الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني.
يثار في غالب الأحيان من هنا وهناك التشكيك في الدور السعودي، الذي يمس قضايا الأمة وأزماتها، ووضع هذا الدور ومن يتبعه ضمن الخانة التي تتعامل مع «عملاء الإمبريالية» بينما من يقول هذا الكلام يصنف نفسه ممانعا ونزيها ومقاوما.
حسنا يكفي هذا الهراء!!
الحقائق هي ما تقول به الوقائع، وما تفرضه الأحداث على أرض الواقع، والناظر بعين المنطق والإنصاف والعقل لا يمكنه أن يساوي بين من يسعى إلى بناء دولة حديثة متطورة وبين من يسعى ليس إلى هدم الدول، وإنما إلى تدمير الإنسان نفسه: تفقيره وإفساده بالضرورة ولف عقله بخرقة بالية من الأفكار المتحجرة.
فهل يمكن أن يتساوى المسعيان؟!
بين السعودية الجديدة من جهة والمشروعات الثورية الراديكالية بالمنطقة من جهة أخرى بون شاسع لا يدرك شساعته إلا الذين خبروا العالم وتمرسوا في معرفته، لا الذين يتمسكون بشماعة المتآمر والخائن مع الأجنبي لأنها أوهن من بيت العنكبوت.
@MohammedAlHerz