هذا التكريم يعد علامة فارقة في مسيرتي الأدبية، كونه استند في حيثياته إلى كامل عطائي خلال ما يربو على 40 عاما، ومجمل أعمالي القصصية والروائية والدراسات الأكاديمية التي فاقت 24 كتابا، وتدريسي مادة «الكتابة الإبداعية»، إضافة إلى جهودي الثقافية، انطلاقا من تأسيس «جريدة الفنون» في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 2001، مرورا بترؤسي لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية عام 2009، وتأسيس «الملتقى الثقافي» و«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، وصولا إلى كوني نائب الرئيس في «منتدى الجوائز العربية»، وهذا يدعوني لأن أتقدم بالتقدير والشكر الجزيل إلى صاحب السمو الشيخ د. سلطان القاسمي، وإلى جميع الأصدقاء الأفاضل في هيئة الشارقة للكتاب، وعلى رأسهم أحمد العامري، والمؤكد أن هذا التكريم سيكون حافزا كبيرا لي إلى مزيد من العطاء الإبداعي والثقافي.
- رغم أنك نشرت أول أعمالك القصصية في سبعينيات القرن الماضي.. فإن البعض يراك أقرب إلى جيل الثمانينيات في الكتابة الإبداعية.. ولحين انطلاقك في كتابة الرواية في بداية الألفية الجديدة.. ما رأيك؟ قد يكونون محقين فيما ذهبوا إليه، فأنا نشرت أولى قصصي القصيرة بتاريخ 17 يناير 1978 في الكويت، بينما طبعت ونشرت أولى مجاميعي القصصية بعد 14 عاما من هذا التوقيت في بيروت، وبعدها نشرت ما يزيد على 50 قصة في مختلف المجلات والجرائد العربية، في حين جاء انتقالي إلى فن الرواية مع نشر أولى رواياتي «ظل الشمس».
- في رواياتك وقصصك لا يخفى على القارئ انحيازك إلى طبقة العمال بسبب اشتغالك في المواقع الإنشائية كونك مهندسا مدنيا.. وكذلك تعاطفك مع العمالة الوافدة العربية والأجنبية.. هذه النكهة الإنسانية هل كانت سببا وراء كتابة الروايات؟ هذا استنتاج صحيح، فحين بدأت كتابة قصة «ظل الشمس» تنبهت إلى أن موضوعها وأحداثها أكبر من أن تتسع لهما رقعة وأصول القصة القصيرة، لذا انتقلت بها لتكون أولى رواياتي، لكن هذا لا يمنع أن لي عددا كبيرا من الأعمال القصصية التي تدور في مجملها حول معاناة وأوجاع العمالة الوافدة في الكويت، سواء كانت عربية أو أجنبية، وسواء عملت داخل أسوار الأسرة الكويتية أو خارجها، فالعمالة الوافدة موجودة في كل زوايا اليوم في الكويت، وهي جزء أساسي من عالمي السردي.
- روايتك تسلط الضوء على المتناقضات داخل المجتمع الكويتي.. فهل هذه موجة تطهير للمجتمع من المثالية التي طالما التصقت به؟
ليس هناك من مجتمع مثالي قائم في العالم، ولا أعتقد أن المجتمع الكويتي بحاجة لـ«موجة تطهير»، فهو مليء بأناس الفضل وأعمال الخير، لكن قناعاتي وعيشي للحياة جعلاني أجسد في قصصي ورواياتي مساحة الألم الإنساني لأنها الأكثر حضورا على مائدة الزاد اليومي، وهذا ما جعلني أغرف منه علني أنبه إليها فيمكن تجاوزها، أو الوقوف في وجهها.
- ماذا أضاف لك عملك محاضرا لمادة الكتابة الإبداعية في الجامعة الأمريكية في الكويت؟
دخلت إلى الكتابة من بوابة القراءة، لكن حين ذهبت للمشاركة في برنامج الكتابة العالمي «International Writing Program» في الولايات المتحدة الأمريكية، اكتشفت أنهم يدرسون الكتابة الإبداعية بوصفها مادة علمية لها أصولها الفنية، ويدرسها أبناء الصنعة أنفسهم من الكتاب المبدعين، ويتدرج الطالب في تعلم أساسياتها، وهذا ما حفزني لدراسة مادة الكتابة الإبداعية في جامعة كنغستون لندن والحصول على ماجستير معضد يعادل درجة الدكتوراة في الكتابة الإبداعية، وبالتالي حين بدأت تدريسها بالجامعة الأمريكية في الكويت، وحسب نظام ورش الكتابة المتفاعلة، وجدت ترحيبا وإقبالا كبيرين من الطلبة، وهذا ما أخذني لتقديمها في مختلف العواصم العربية والعالمية.
- كمدرس وروائي تتقاسمه هموم ذاتية واجتماعية.. عندما تغلق الفصل عليك أنت وطلابك بم تخبرهم؟
أتداول وطلابي سواء في الجامعة أو في أي ورشة كتابة إبداعية، أساسيات الكتابة، وكيف أنها تركن إلى الموهبة بقدر ما تركن إلى القراءة المستمرة والمتنوعة، إضافة إلى معرفة علمية بأصول الكتابة الإبداعية لفن القصة القصيرة أو الرواية، كما أتكلم معهم في شؤون الحياة فليس من انفصال بين الكتابة والحياة، فالكتابة هي وجه الحياة المحلى بفكر وموهبة وخبرة الإنسان.
- كيف ترى الروائيين الذين ينصرفون إلى كتابة الروايات التاريخية من الكتب والمراجع التاريخية؟
لا ضير في أن يكتب شخص رواية وفق الكتب والمراجع التاريخية، لكن هذه الكتابة لكي تأخذ شكل وروح الجنس الأدبي، سواء كان قصة أو رواية، فإنها تتطلب معرفة ذلك الشخص بعناصر الكتابة الإبداعية، وكونه يتوافر على موهبة، وأخيرا قدرته على استخدام خياله ولغته، في ترجمة حادثة تاريخية لتكون رواية مشوقة.
- رغم تنوع الأفكار التي تستخدمها في الكتابة فإنك تلتزم إلى حد ما بكتابة واقع مواز للواقع.. وتوهم القارئ أنه الواقع الحقيقي.. فهل تعمدت ذلك أم أن الأمر جاء عفويا؟
أكتب معظم رواياتي وفق مدرسة التخييل الذاتي، وأنا موجود باسمي الصريح وسيرة حياتي الحقيقية ومعي أفراد أسرتي ومكان عملي وأصدقائي، وهذا يخلق حياة فنية توازي الحياة الواقعية، لكنها تتفوق في قدرتها على قول ما تجبن الحياة عن قوله، لذا فإنني أكتب ما أكتب واعيا وقاصدا وبانتباه شديد.
- تمارس فعل الكتابة بانتظام.. وكل ثلاث سنوات تقريبا تصدر رواية أو مجموعة قصصية، حدثنا عن ذلك..عملت مهندسا ورئيس مهندسين لما يزيد على 15 عاما، وبعدها عملت مديرا لإدارة الثقافة والفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ثم مستشارا ثقافيا لوزير الإعلام، وأنا الآن متفرغ للقراءة والكتابة، وعلى امتداد عملي، وحيثما كنت، فأنا أعمل بانتظام وبعدد ساعات يصل إلى 14 ساعة يوميا، وبالتالي فالقراءة والكتابة هما عملي الرسمي، وأذهب إليهما بشوق ورغبة عارمتين، وأعمل بإخلاص محاولا في كل يوم تطوير مهاراتي في القراءة والكتابة، والإقدام على مغامرة جديدة.
- المنجز السردي لديك يحفل بالرؤى الاجتماعية الإنسانية.. فكيف تقرأ ذلك؟
أقرأ ذلك بأن الكتابة وجه من وجوه الحياة، ونهر يسير موازيا لنهر الحياة.
- كل نص يرتبط بمجموع القيم الاجتماعية التي تسود في أي بيئة.. ومن ثم يتحول إلى انعكاس لوعي كاتبه ورغبته في التأثير.. فإلى أي حد يمكن أن يلمس القارئ تطبيقا ملموسا لذلك فيما تكتبه؟
كتاباتي نصوص مفتوحة لقناعاتي وتأتي محملة على ألسنة شخوصي وأحداث رواياتي، ولأني أكتب منطلقا من وعي متجدد بأهمية الفن ووظيفته في مس عواطف الناس ووعيهم، فأنا أرسل رسائلي المخبأة محملة عبر أحداث رواياتي ومصائر شخصياتي، ولا يفسد الفن قدر ما تفسده الرسائل المباشرة.
- نقرأ في تنوع الشخصيات التي تمتاز بها رواياتك ما يقول لنا إن الروائي غير مطالب بأن ينتصر لقناعاته الشخصية في الحياة.. كيف تفسر ذلك؟
الروائي مطالب بأن ينتصر لعناصر الجمال والخير والحق في الحياة، ولقضايا الإنسان العادلة وحريته، الرجل والمرأة والطفل والطبيعة، وهذا ما أحاول جاهدا كتابته عبر أبطالي، ولا أحملهم أبدا آرائي إن كانت تتعارض ومسلك الشخصية وقناعاتها، وكثير من شخصياتي خرج عن قناعاتي ليقول قناعاته.
- شخصياتك الروائية لم تكن عظيمة في الحياة الواقعية.. كتبتها ورسمت سماتها ببراعة فخلدت في الذاكرة.. بناء على هذا التصور ما رؤيتك لكتابة الشخصية الروائية؟
أتناول شخوصي مما يحيط بي، ولأني مهموم بالإنسان وقضاياه، تأتي شخوصي الروائية دون عظمة، بلوعة ووجع وانكسار ومعاناة تشبه حياتها، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أنني أكتب شخصياتي بجذرها الواقعي وأضيف إليها من خيالي ما أشاء كي تكون وتظهر على ما هي عليه، حتى النوخذة علي ناصر النجدي الذي كتبت سيرته في رواية «النجدي»، فإن النجدي الشخصية الروائية تختلف اختلافات بينة عن الشخصية الحقيقية، وهو من صنع طالب الكاتب، هو قدري، عشت حياتي في بيئات بسيطة وشخوص تعبة من قسمتها ونصيبها في الحياة، وطبعت هذه الشخوص صورها وأصواتها ودموعها على لحم قلبي وذاكرتي، ومن هذا الطبع والذاكرة أكتب، ليس في الحياة إنسان عظيم إلا ونال حظه من الوجع والألم.
- غالبا ما تجعل شخصياتك الروائية بنزواتها وطموحاتها تتهدم وتكون في الوقت نفسه شاهدة على انكسارها وذبولها في الحياة.. هل تقصد ذلك؟
أي مغامرة إنسانية تكون محفوفة بالمخاطرة، ولأن شخوصي تعيش نزواتها وطموحاتها، فهي في نهاية المطاف لا بد أن تخاطر بمصائرها، وتدفع ثمن مغامراتها، الحياة لا تمنح متعها لمن يخاف، وعلى من يجن لتذوق متع الحياة الراجفة أن يدفع ثمنها متعة وانكسارا ونفيا، نعم أقدم شخصيات جسورة علها تشفي شيئا من شوقي لمواجهة الواقع.
- ما هو تقييمك للجوائز الموجودة حاليا في الوطن العربي.. وهل يمكن أن تصنع كاتبا؟
الجوائز فعل ثقافي خير، وهي ضرورة للكاتب والكتابة، كما أنها مهمة لتوجيه انتباه جمهور القراء لكتب جديدة ونجوم جدد، لكن المؤكد هو أن أي جائزة أعجز بكثير من أن تصنع كاتبا، وأن فوز كاتب بجائزة لا يعني أبدا تعميده ليكون كاتبا مبدعا، ما لم يضف نتاجا تراكميا مقنعا وقادرا على تجاوز كتابه الذي حمل الجائزة.
- بعد إقدامك على بادرة غير مسبوقة بنشر روايتك «خطف الحبيب» لدى 14 ناشرا متزامنة في جميع العواصم العربية.. ما جديد طالب الرفاعي؟
أحضر لرواية جديدة، وقد أصدر قبلها مجموعة قصصية كتبت أكثر من نصف قصصها.
إبداعاتي تخلق حياة فنية تقول ما يجبن الواقع عن البوح به
الكتابة من الوجوه المهمة للحياة ونهر مواز لها