[email protected]
أظن «من وجهة نظري» أن الأدب شيء والنقد شيء آخر، رغم أنني لا أقول بفصلهما عن بعضهما البعض فصلا قاطعا، فكما أن الأديب المبدع لا بد أن يكون موهوبا ليتمكن من ولوج عالم الأدب، كذلك الناقد لا بد أن يكون موهوبا في فنه، وإن تحول «شهيدا» لإبداع الآخرين، وهو تحول وارد على كل حال، ذلك أن معظم الأدباء يضيقون ذرعا بأحكام النقاد حتى وإن جنحت إلى العدل والإنصاف، ومصدر هذا الضيق والتبرم أن لغة بعض النقاد قد تكون لاذعة، ولكنه لذع يرمي إلى الإصلاح والتقويم، بيد أن الأديب في معظم الحالات والأحوال «لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب».. والناقد في هذه الحالة «كما أرى» ينكر ذاته أمام ذوات الأدباء ويتعرض لكثير من مضايقاتهم ومناوشاتهم «اللامعقولة» وأعني به الناقد الملتزم بمقومات النقد ومعطياته القويمة الهادفة، فأحكامه القاطعة تقطع الطريق أمام «المتسلقين» وتضعهم داخل أحجامهم الطبيعية، فهو بعمله هذا يحمي المجتمع من سقطات كثير من المتأدبين والمتشاعرين.
ومن العجب أن بعض القراء لا الأدباء قد لا تعجبهم الأحكام النقدية القاطعة لبعض الأعمال الفنية التي أعجبوا بقراءتها وتذوقها، ويعود ذلك إلى أن بعض اللغات الأدبية قامت «بتسطيح» أفكار الناس بدلا من الرقي بها وتهذيبها، فمن يقوم بنقد هذا العمل الأدبي الشائع نقدا منطقيا عادلا قد يكون عدوا لدودا لذائقة الناس، وهذه ظاهرة لا بد من تداركها، ووضع علاج ناجع لها، وإلا ظن عامة الناس لا خاصتهم بأن أذواقهم «المنحرفة» هي التي يجب أن تسود، وبالتالي لا بد من تشبيعهم بما اعتادوا عليه من آداب وفنون هابطة لن تؤدي إلى الارتقاء بأذواقهم وإنما الهبوط بها.