اشتكى أحد الآباء لزميل له من إهمال ابنه وعدم اكتراثه، فقد حول هذا الابن السيارة الجديدة، التي اشتراها له مكافأة على نجاحه من المرحلة الثانوية والتحاقه بالجامعة، إلى كومة من الحديد بقيادته المتهورة، لذا أشار الصديق على الأب أن يعاقب ابنه بعدم إصلاح سيارته وجعله يشعره بالمسؤولية ويكون قادرًا على تحمل أخطائه، وبالفعل وبعد هذا الإجراء شعر الابن بجزء من المسؤولية وحرص على البحث عن وظيفة بدوام جزئي، ووفر مبلغًا من المال لشراء سيارة مستعملة، وأصبح حريصاً عليها لكونه حصل عليها بعد عناء وتعب.
إن حبنا لأبنائنا ودلالنا المفرط لهم يزرع فيهم نوعًا من عدم المبالاة فيما يحصلون عليه من هدايا ومتع ومكافآت، لذا تجدهم كثيراً ما يملون بسرعة من أي شيءٍ يقدم لهم مهما غلا ثمنه وندر وجوده، فلا تجدهم يحافظون عليه ولا يهتمون بمراعاة استخدامه بشكل يضمن استمرار خدمته لفترة طويلة كالأجهزة الإلكترونية مثلاً، وهذا سينعكس لاحقاً على حياتهم عندما يكبرون، وستجدهم غير جادين في دراستهم الجامعية أو التخصصية، كما أنهم سيصعب عليهم الاستمرار في أي عمل ما، وسيكون إنتاجهم ضعيفا وصبرهم قليلا وتطلعاتهم كبيرة رغم بضاعتهم المزجاة. ولن يحسنوا التصرف حتى في أبسط الأمور، وسيعتمدون اعتمادًا كليًا على والديهم بشكل دائم في اختياراتهم وحل أتفه مشاكلهم.
الحياة رحلة جادة تتطلب من كل أحد منا أن يبذل ليحصل، وأن يقدم ليجني، وأن يضحي ليستحق، قال جل وعلا: (يا يحي خذ الكتاب بقوة) ومما ينسب لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قول: (اخْشَوْشِنوا؛ فإنَّ النِّعمَةَ لا تدومُ).
فلنعمل على صنع جيل جاد حريص على التعلم، عبر إعداده بشكل جيد لتحمل عواقب اختياراته عبر تجربة الصواب والخطأ، وفق المتابعة القريبة لهم، دون فرض الرأي، عند ذلك سنسهم حتمًا في نشأة جيل قوي مكافح.
قال المتنبي:
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيم