لأن وجود الكبار يعطي القدوة، ويوفر الخبرة، ويسهم في الإصلاح وعلاج المشكلات، وكل من فقد كبيرا عرف هذا الأمر، فبعض العائلات كانت مجتمعة عندما كان كبيرها موجودا، ولكن عندما رحل أصبحت وللأسف مصدرا للشفقة، رأيا وحالا.
ذكرتني أهمية الكبار بقصة ذكرها ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان حيث كتب: كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل لحما فطبخه أو سمكة فيشويها ثم لا يزال يشرب، حتى إذا دب الشراب فيه غرد بصوت، وهو يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته كل ليلة، وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلته، واستأذن على الأمير، فقال الأمير: إيذنوا له وأقبلوا به راكبا ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط ببغلته، ففعل، ولم يزل الأمير يوسع له في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟ فقال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فقال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه وقال: يا فتى أضعناك؟ فقال: لا، بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرا عن حرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان عليه.
الكبير يظهر عندما تحتاج إليه، ولذلك لا يجب أن يتجرأ الصغار على الكبار، ولا أن نجرئهم على ذلك، بل يحفظ لذوي الفضل فضلهم.
وقد يكون المهم إن لم يكن الأهم أن يحافظ على مكانته ولا يجعل نفسه أضحوكة لمن هب ودب.
يقول الصحابي الجليل سمرة بن جندب رضي الله عنه «لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالا هم أسن مني».
@shlash2020