بحسب الأرقام فبعض المواقع المهتمة بالإحصائيات تذكر أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مثل إنستجرام يرفعون ما يقارب (95) مليون صورة وفيديو يوميا. وموقع آخر يذكر أن عدد الصور الملتقطة والفيديوهات المسجلة في السناب بلغ تقريبا (5) مليارات يوميا!! وهذه الأرقام المهولة تبين ضخامة حجم البيانات بالإضافة إلى أنها إشارة ودليل على كمية الوقت المبذول، والتفاصيل الكثيرة للحياة اليومية والمعروضة للجميع.
في الواقع المشاهد صارت هذه الظاهرة كأنها إدمان لالتقاط أدق التفاصيل لكل الأشياء تقريبا. فهل هي موضة العصر أم هو (هوس) العصر الحالي؟ بل أصبحنا نتساءل هل ذهبنا للمطاعم والمقاهي من أجل الأكل والاستمتاع بالطعام؟ أم هو من أجل أن نري المتابعين أين ذهبنا وماذا أكلنا؟
وقد يتفهم الواحد منا أن التصوير يكون لذكرى جميلة أو مناسبة معينة أو رحلة ممتعة نادرة، ولكن الآن مع كثرة المعروض لم نعد نستمتع بالصورة أو الفيديو كسابق العهد. والسبب وراء ذلك أن الأمر إذا زاد عند حده انقلب ضده كما قيل. فكثرة التصوير والتسجيل أصابتنا بالربكة والملل. واختلط الأمر علينا بين النافع والضار، وبين الحقيقي والمفبرك، وبين الكلام العلمي المؤصل والكلام الفارغ. وبناء على ذلك صار البعض منا قليلا ما يشاهدها إلا للضرورة أو على عجالة.
وأعتقد أن من أسباب تنامي هذه الظاهرة المباهاة والمحاكاة وحب تقليد الآخرين فيما يفعلون، خصوصا المشاهير منهم، الذين غصت بهم مواقع التواصل الاجتماعي! ونرى تأثيرهم واضحا للعيان على الصغار والكبار على حد سواء.
ويضاف إلى ما ذكرنا الفراغ الذي يعانيه البعض! إذا أصبح شغلهم الشغال نقل التفاصيل لكل ما يقومون به من أجل مشاركته مع المتابعين. ولعل من الغريب أنك ستجد فئة من المتابعين يعرفون معلومات خاصة لا يعلمها الأهل ولا الأصحاب المقربون.
ومن الأسباب في كثرة المعروض من الصور ومقاطع الفيديوهات هو سهولة استخدام التقنية وتطورها من خلال كاميرات الجوالات، بل أصبحت الشركات المصنعة تشجع ذلك بالدعاية، وتتنافس في نوعية وقوة وجودة الكاميرات المستخدمة.
إنه من الطبيعي أن يمتلك البعض موهبة التصوير كغيرها من المواهب، ولكن حين يصبح الأغلبية مصورين! تفقد المسألة جمالها وحسها الفني.
ومن الأشياء التي افتقدناها هي التمتع بصور الذكريات، حيث كنا نستمتع بمشاهدة القديمة منها، لأنها كانت قليلة وعزيزة ولها مناسبات تثير الشجون والآهات. وأما الآن فقد صارت غثاء كغثاء السيل وبالكاد يستمتع الواحد منها بشيء.
وفي بعض الأحيان أن تبقي الذكريات في مخيلتك هي خير مَن أن تراها مرارا وتكرارا على شكل صورة أو فيديو. فالذكريات التي يخزنها العقل عن الأماكن أو الأشخاص أو الأحداث متعتها أن تبقى صورا في الذهن لا على الورق أو الجهاز.
وختاما، التصوير كغيره من الوسائل الحديثة له جوانب إيجابية وأخرى سلبية. ومن الحكمة بمكان أن يصور الإنسان النافع والمفيد لأنه سوف يبقى أمد الدهر، وسيكون رصيدا لك لا عليك.
abdullaghannam@