في الغالب أن المسؤول، الذي يتقبل النقد برحابة صدر حول أداء إدارته أو أدائه الشخصي ويستفيد منه نجده في ذات الوقت ما يهمه المديح ولا المادحين والعكس تماما، فهناك مَن لديه حساسية مفرطة من النقد ولا يتقبله ولا يتوقف عن التشكيك في نوايا الناقدين أو الحاقدين كما يراهم في مخيلته، وفي المقابل نجده يستمتع بالمديح ويبحث عنه بألف طريقة وطريقة، ومَن يعمل مع النوع الأول يجد حرية فيما يقول ويفعل دون الخوف من التشكيك أو التخوين مما ينعكس على إنتاجية عالية وبيئة صحية جاذبةً للمبدعين للعمل، بينما مَن يعمل مع النوعية الأخرى سيجد أنه مع الوقت قد أصبح يجيد فن السباحة مع التيار، ولديه خبرة في المديح على الطالعة والنازلة مع هذه النوعية من المديرين، وكل همه أن يرضى عنه رئيسه دون أن يكون هناك إنجاز يذكر أو إنتاج يلاحظ!!
في الواقع إننا نحتاج إلى النقد دون تجريح والمديح دون مبالغة، ففي النقد تعطى للمعنيين استشارات مجانية من قبل كتّاب الرأي وغيرهم يستفيد منها كل مَن يعمل في تلك الإدارة الموجهة لها الانتقادات، وهذا ما كان يقوله معالي الوزير الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- لكل مَن كان ينتقد وزارته قائلا: (تراكم مستشارين بالمجان لدى الوزارة)، فقد كانت نظرته للنقد إيجابية والاستفادة منه، وفي المقابل المديح العقلاني والمرتكز على وقائع تدعم الثناء يعتبر وقودا مهما لتحفيز الموظفين، ومؤشرا على أنهم في الاتجاه الصحيح، وعليهم بذل المزيد من العطاء على سبيل المثال ما تعمله أغلب القطاعات الخدمية عندما تطلب من العميل تقييم أداء الموظف، وهذا مؤشر إيجابي من قبل تلك الإدارات، وعلينا أن نساهم في التقييم بتجرد عندما يطلب منا ذلك.
فهل نقدم الشكر على شكل مديح عندما يتم التعامل معنا باحترافية من قبل هذا الموظف أو ذاك، كما نسارع في تقديم الشكوى إذا أخفق ذات الموظف أو قصر في التعامل معنا، فهناك مَن يقدس الشكر والثناء لكل مَن يقدم له خدمة حتى إن كانت تلك الخدمة المقدمة من واجبات الموظف وليس متفضلا أو متطوعا، وهذه ثقافة عند المجتمعات الراقية، التي زرعت في الأبناء مفردات إيجابية مثل: (شكرا، ممكن، أسف، اعتذر، أنا غلطان.... والبعد عن المديح المبالغ فيه أو النقد للأشخاص وليس لأفعالهم دون ابتذال.. إلخ) عندها لا نستغرب حرص أفراد تلك المجتمعات على التعامل بتوازن بين المديح والنقد والحرص على التعامل مع الاستبانات بجدية إيمانا منهم بأهمية المساهمة مع كل إدارة في تقييم موظفيها، بحيث ينال المجتهد حقه كمردود مادي أو معنوي وفي نفس الوقت توجه رسالة لمَن لا يعمل أو متكاسل أن يغير من سلوكه الوظيفي في المستقبل ليعطي أكثر وعلى فكرة الغرب يتفوق علينا في هذا الجانب!
في الختام، هناك ميزة لا تقدر بثمن عند مَن يجيد فنون الإدارة، هؤلاء نجدهم ينسبون نجاح المنظمة للموظفين وليس لهم، وفي مواقع الاحتفالات بالإنجازات يتوارون عن الأضواء والفلاشات ليتركوا الطريق لفريق العمل للصعود على منصات التتويج. هؤلاء يكسبون ثقة وولاء الموظفين، بينما مَن يبحث عن المديح ويكره النقد كما ذكرت في بداية المقال سيكون على المنصة أمام الفلاشات وفريق عمله خلفها.
Saleh_hunaitem@