وأضاف: من هنا تأتي أهمية الجهود المستمرة والحثيثة لتوصيف وتعريف الصحة النفسية بشكل أسهم في إثراء الأدب النفسي بنماذج افتراضية وتجريبية تهتم كثيرا بحياة الإنسان وطبيعته، ومساعدته على التخفيف من السمات التوترية لديه ومن الانفعالات السلبية، والأهم من ذلك مساعدته على اكتشاف مكان القوة لدية، ونستطيع القول إن هذه النماذج الافتراضية تجاوزت المفهوم القديم في تعريف الصحة النفسية، وأيضا الاهتمام بالإنسان ليس فقط في حالات الضعف «عندما يكون مصابا بالاضطراب النفسي»، ولكن في حالاته الإنسانية أينما كان، بشكل يسهم في تحسين مستويات استثماره لاستعداداته الفطرية بشكل عام، فكم من الناس يولد ولديه استعدادات فطرية عالية مثل الذكاء، أو إحدى فنون الحياة الأخرى، ولكن البيئة تسهم في كبتها وتشويهها.
وتابع: منذ بداية الخمسينيات، بدأت جهود «رورجز وماسلو» من المدرسة الإنسانية، تشجع على النظر للإنسان في مراحل القوة واستثمار قدراته، وحتى عام 1998 كانت الولادة العلمية لعلم النفس الإيجابي على يد عالم النفس «مارتن سليجمان»، الذي كرس مفهوم علم النفس الإيجابي الذي ينصب اهتمامه على الاهتمام بالإنسان في حالة الضعف وأيضا في حالة القوة، علم النفس الإيجابي قدم نماذج أسهمت في التعرف على المواهب والخواص الممكنة وأيضا نقاط القوة، وتنمية هذه القوى تنتج شخصية مستقرة فعَّالة، تتمتع بعلاقات اجتماعية حسنة، وأيضا تتيح للفرد الاستمتاع بالحياة، وهذا التوجه أسهم في تشجيع المجتمعات على إيجاد مؤسسات إيجابية تعلم الإنسان السعادة.
وأوضح أن الصحة النفسية هي أهمية العواطف الإيجابية مثل التفاؤل والحب وتكرار الأمل والرحمة واللطف والمرونة والرفق والبهجة والفرح، واستفاد مارتن سليجمان من هذا النموذج الافتراضي لتعريف الصحة النفسية في الحديث عن وظيفة العواطف والمشاعر الإيجابية عند الحديث عن إستراتيجية التوسع والبناء، والتي تعني أن التركيز المستمر على المشاعر الإيجابية يجعلها تتعمق في المكون النفسي للإنسان وتتوسع، وهذا التوسع يؤدي إلى النمو والبناء المستمرين في شخصية الإنسان.
وتابع: من العوائد الحيوية أيضا لفكرة التوسع في المشاعر الإيجابية، الانتباه للرغبات الضارة والتخفيف من أثرها على الإنسان، وكيف يمكن للإنسان أيضا الاستفادة من استعداداته الفطرية، مثل الفضول الذي يجعل الكثير من الناس ينشغلون بوسائل التواصل الاجتماعي والامتلاء من النفايات النفسية الضارة، بينما لو استخدم الإنسان هذا الفضول في أمور حياتية إيجابية سيكون في حالة مزاجية ونفسية أفضل.
وأكد أن الوعي النفسي يساعدنا على التخلص من الاستجابات السلبية مثل الشعور بالغضب والرغبة في أن نكون على حق، في المقابل سوف يكون لدينا استعداد للانفتاح على الخبرات الإنسانية الإيجابية، وتقبل الواقع والآخرين واختفاء مظاهر الاختلاف، والاهتمام بالتعرض للخبرات الإيجابية التي يتم تعميمها على الحياة اليومية للإنسان، والتي تسهم في رفع مدى الشعور بالرضا والسعادة، وأيضا الأنماط المنتجة للحياة الطيبة.