[email protected]
أكاد لا أحصر عبقرية الروائي العربي العملاق نجيب محفوظ أو إبداعه في رواية بعينها، وتبدو هذه العملية صعبة للغاية إلى درجة تدفعني للبوح بأن عناصر العبقرية والإبداع متوافرة في جميع أعماله الروائية بدون استثناء، وقد تتوافر بغزارة في أعمال معينة وتقل في أعمال أخرى ولكنها على العموم لا تكاد تغيب في أية رواية من رواياته وأقاصيصه الكثيرة، وقد بدأ برواية مفعمة بعبق التاريخ «رادوبيس» فعلامات النبوغ والعبقرية والإبداع بدأت مع هذه البداية، وتبلورت بشكل أكثر وضوحا في «الثلاثية» وتتكون كما نعلم من أجزاء ثلاثة شهيرة هي «قصر الشوق» و«بين القصرين» و«السكرية» وتعد من أهم أعماله وأشهرها وقد شبه النقاد هذا العمل الرائع المتميز بأعمال «بلزاك» من حيث رؤيتها التاريخية والواقعية، ولعلنا نلحظ في «الثلاثية» أن محفوظ استطاع بقدرة فائقة أن يصور المجتمع المصري تصويرا يكاد يكون «فوتوغرافيا» فصحيح أن عنصر العبقرية المتميزة وعناصر الإبداع المتميز أيضا كانت بارزة في هذا العمل الإنساني الرائع، غير أن ذلك لا يمنعني من القول بأن الرواية بأجزائها الثلاثة كانت مستغرقة وغارقة في «المحلية» إلى درجة واضحة لا تقبل جدلا.
شخصيات «الثلاثية» هي مصرية خالصة، وقد حركها محفوظ تحريكا فنيا رائعا لترمز إلى القيم المصرية المختلفة اجتماعية كانت أو ثقافية أو أخلاقية عبر حقب زمنية امتدت منذ بداية العشرينيات إلى نهاية الأربعينيات من القرن المنفرط، وقد صور محفوظ أحداث هذه الحقبة سياسيا واجتماعيا تصويرا ذكيا ينم بما لا يقبل الشك عن عناصر تلك العبقرية والإبداع التي تجلت واضحة في أعماله كلها وليس في «الثلاثية» وحدها.
[email protected]
[email protected]