الاهتمام ببيئة العمل أصبح مطلبا رئيسيا للمحافظة على الكوادر الوظيفية وتعزيز انتمائها، والمنظمات بدأت تتفاخر في ما تقدمه لموظفيها من مميزات وأحداث وأنشطة اجتماعية وثقافية ومهنية لجعل بيئة العمل بيئة جاذبة لموظفيها، وظهر مؤخرا ما يسمى التواصل الداخلي الذي جاء كوظيفة هامة تساهم في تحسين بيئة العمل وتعزز الانتماء للمنظمات وتحافظ على الكوادر البشرية ويقيها من كثير من المشاكل التي قد تدفع كوادرها لتركها.
وهناك مدرستان، إحداهما ترى أن التواصل الداخلي يتبع للموارد البشرية، وأخرى ترى أن تكون العلاقات العامة هي المسؤولة عنها، ولكلتا المدرستين مبرراتهما وبغض النظر أيهما أصح إلا أن الواجب أن يكون التواصل الداخلي فاعلاً، وأن تكون وظائفه وأدواره بعيدة عن الجمود، وأن يكون قادتها واعين لأدوارها الهامة، ورغم أن قناعتي الشخصية تميل لأن يكون التواصل الداخلي جزءا لا يتجزأ من وظائف العلاقات العامة وأحد برامجها الهامة، وركيزة أساسية ضمن خططها الاتصالية، وهي ليست برامج ترفيهية أو موسمية ترتبط بأنشطة الإدارة العليا، بل هي في وقتنا الحالي وظيفة أساسية تطلبتها ظروف العمل المتغيرة، والتحول الكبير في مفهوم بيئات العمل. وبرامج التواصل الداخلي كثيرة ومتعددة، وقد نجحت كثير من المنظمات في تطويع الإمكانيات والمناسبات لخدمة المنظومة وتعزيز الانتماء لها، مما ساهم في تعزيز العلاقات الإيجابية وبناء الثقة المتبادلة بين المنظمة وكوادرها البشرية، وكثيرا ما يغفل مسؤولو التواصل الداخلي عن تغذية جمهورهم الداخلي بمعلومات المنظمة وتطوراتها مما يجعل كوادرها البشرية بعيدة كل البعد عن منظماتهم مما يسبب شرخا في التواصل الداخلي الفعال في بيئة العمل.
وهناك أيضا بُعد مهم قد يثير اهتمام مسؤولي التواصل الداخلي، وهو الاهتمام بالجانب الاجتماعي للموظفين، فبناء برامج اجتماعية تعزز الانتماء وتُبرز المواهب وتظهر الكنوز المخفية في المنظمات، ومن المهم أن نشير هنا لدور هام تلعبه الإدارة العليا في أي منظمة في رعاية برامج التواصل الداخلي من خلال إدراجها كأحد مرتكزات الخطة الاستراتيجية للمنظمة ورسم أهداف واضحة لها وصولا لتحقيق أعلى مستويات أوجه التواصل الداخلي كتعزيز الانتماء ورفع مستويات رضا العاملين وانخفاض معدلات تسرب الموارد البشرية، والحد من حالات التظلم وغيرها من المؤشرات التي تعزز من صحة بيئة العمل، وتحافظ على العلاقة المثمرة بين قطاعات المنظمة رأسيا وأفقيا.
وفي مقالة رائعة للأستاذة عبير خالد المتخصصة في الاتصال المؤسسي دعت إلى إنشاء دليل سعودي موّحد لتنظيم وحوكمة ممارسة الاتصال الداخلي لدى كافة الجهات الحكومية والخاصة بهدف تعزيز التواصل المتسق والواضح داخل الجهات كافة، وضمان توظيف فاعل ومستدام للكفاءات، وهو أمر إن تم سيأخذ بهذه الوظيفة إلى مناح إيجايية تعزز من دورها وتضع لها إطارا مرجعيا يساعد في تطورها، وفي العاصمة الرياض أُنشئت مجموعة متخصصة في التواصل الداخلي يقودها زميلنا الأخ معاذ المسلم الذي استطاع جذب المتخصصين في التواصل الداخلي في مجموعة متخصصة تتبادل التجارب الناجحة في التواصل الداخلي، وتعقد اللقاءات الاجتماعية والمهنية لمسؤوليها، ولعل هذه الجهود بإذن الله تعالى تتطور لتكون جمعية متخصصة للتواصل الداخلي تفيد جميع المنتسبين لهذه المهنة في مملكتنا الغالية.
@dhfeeri