كما زيّنت من الداخل بالنقوش الفنية التي يطلق عليها " القط العسيري" ، مما جعلها مقصداً للزوار القادمين إلى منطقة عسير من داخل المملكة وخارجها. ويعدّ المكان بعبقه التاريخي والمعماري من أبرز نقاط جذب الزوار من مختلف دول العالم الذين يتشوقون لمعرفة تراث المنطقة وتاريخها العريق. ويمكن للزائر الوصول إلى قرية "رجال" عبر عدة طرق أهمها عقبة الصماء الرابطة بين مدينة أبها ومحافظة رجال المع مروراً بمركز السودة الأشهر سياحياً على مستوى المملكة، في مدة لا تتجاوز 30 دقيقة، إلى جانب طريقين آخرين تربطها بمحافظة محايل عسير ومركز الحبيل المؤدي إلى محافظة الدرب التابعة لمنطقة جازان . وعلى الرغم من تعدد الآراء العلمية حول تاريخ "رُجال" فقد تناول الباحث محمد حسن غريب في كتابه المؤلف من 4 أجزاء، القرية ونشأتها وتطورها الذي شهدته على مر التاريخ، حيث يشير إلى أن "شواهد الفعل الحضاري من مبان وطرق وحاميات ومدرجات زراعية وآبار ومقابر مكتظة بساكنيها ، وما كشفته السيول قديماً في بعض أوديتها من مساكن مطمورة تحت الأرض وكذلك وجود دلالات ظهرت في إحدى الآبار المحفورة عام 1375هـ في حي "عسلة" على عمق 30 متراً ،
في مؤشر على قدم الاستيطان والاستقرار البشري الذي كان يسود القرية قبل القرن العاشر الهجري، وعبر مراحل نموها وازدهارها ". ويؤكد غريب أن البعد التجاري القديم للقرية كان الأشهر في المنطقة ، ويقول عن تجارها قديماً "كانوا في تجارتهم يضربون في الأرض ضرباً بعيداً فيصلون إلى أقصى مكان يعرف من عالمهم آنذاك حيث ظلت المراكب الشراعية التي يستأجرونها لنقل البضائع من عدن والحديدة والحبشة تمخر عباب البحر الأحمر مثقلة بصنوف السلع التي ابتاعوها من تلك الجهات ، مما أكسبهم قوة اقتصادية لا يستهان بها" مضيفاً" مما يلحظ أن بلدة رجال برجال ألمع بقيت حقبة من الزمن مقصداً للقوافل القادمة من موانئ البحر الأحمر ، وبالذات من مراكزه التجارية الداخلية والخارجية، كما ظلت محط رحال للتجار القادمين من جدة والقنفذة والقحمة وجازان والحديدة وعدن وبعض دول الساحل الشرقي الأفريقي كجيبوتي ومصوع والحبشة ".
ومن أبرز السلع التي كانت تباع في دكاكين أهل القرية آنذاك المنتجات الهندية ، والمصرية واليمنية والأوروبية والأفريقية وحتى من شرق آسيا من اليابان والصين، وقد يجمع بعض الأهالي بين ضروب التجارة ((كالمعطارة ))، والأغذية ، والحبوب ، والأدوات المنزلية ، والتوابل ، والعطور ، والأقمشة ، والحلي ، والعقاقير الطبية، والكماليات ، والسلاح ، والجلود ، والسمن ، والعسل.
ومرت قرية "رجال" بمراحل تطويرية متعددة شملت المسرح المفتوح الذي يقع على مساحة 615 متراً مربعاً، ويتّسع لحوالي 1000 شخص، إلى جانب المساحات المجاورة وهى عبارة عن أماكن للتسوق تعرض فيها المنتجات التي تشتهر بها البلدة على وجه الخصوص ومحافظة رجال ألمع بصفة عامة، كما تمت زيادة الرقعة الخضراء بحوالي 7 آلاف متر مربع، وأقيمت مظلات وجلسات عائلية على مداخل البلدة، ورصفت الممرات وأعمدة الإنارة على الطريق المتفرع من الطريق الرئيسي المؤدي إلى البلدة. وبدأ الاهتمام بتوثيق التراث المادي لمحافظة رجال ألمع من خلال إنشاء أحد أقدم المتاحف الأهلية في المملكة وهو " متحف ألمع الدائم للتراث" 1405 هـ/1985م وذلك بأحد حصون قرية" رُجال"، بمبادرة أهلية من طيف واسع من أهالي محافظة رجال ألمع ، ويحتوي على أكثر من 2800 قطعة أثرية موزعة على 12 غرفة خصصت كل واحدة منها لنوع معين من التراث مثل الأدوات الزراعية ولباس الرجل والمرأة وزينتهما قديما وأدوات الطبخ ومستلزمات القوافل وأدوات التعليم القديم وغيرها من مظاهر الحياة القديمة إضافة إلى قسم للمخطوطات النادرة . ويسرد الباحث محمد حسن غريب قصة إنشاء هذا المتحف قائلاً :" تم إنشاؤه عام 1405هـ بمبادرة عامة من أهالي المحافظة لحفظ تراث المنطقة, وقد اختير حصن آل علوان بقرية رجال، ويعد من أكبر الحصون فرمم بتعاون كثير من أبناء رجال ألمع كل بحسب إمكاناته وخبرته،
وتولى أبناء القرية جمع المقتنيات القديمة التي تبرع بها الأهالي، وأسهم نساء القرية بنقش القصر بإشراف الفنانة الألمعية فاطمة علي أبو قحاص ـ رحمها الله ـ ومن ثم تبرع الكثير منهن بحليهن القديمة من الفضة وبعض مدخراتهن من الزينة، واكتمل العمل بالمتحف, وحصل على الكثير من الدعم والاهتمام والتشجيع من قبل المهتمين بالسياحة, ثم افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير - آنذاك - عام 1407هـ, وبدأ المتحف يمارس دوره كقناة ثقافية سياحية منذ ذلك الحين, حتى أصبح الزوار يقصدونه من جميع أنحاء العالم وعلى مدار العام, وقد تزايد عدد زواره بعد افتتاح مشروع العربات المعلقة في السودة وتأمين المواصلات بين محطة العوص والمتحف، وكان لذلك دور مهم في تسهيل زيارة المتحف, وخاصة في فصل الصيف حيث يبلغ الموسم السياحي ذروته. وتحتضن القرية على مدار العام نشاطات منوعة ومهرجانات وفعاليات ترفيهية ثقافية وتنظيم رحلات سياحية لجهات حكومية وخاصة،
وكان آخرها مهرجان"رجال الطيب" الذي نظمته وزارة الثقافة واشتمل على عروض مسرحية و فلكلورية ، إضافة إلى عروض الإسقاط الضوئي المليئة بالعناصر التقنية والبصرية التي نقلت قصص المكان ومطعم للأكلات الشعبية، ومعرض فني وسوق تراثي . ونجحت وزارة الثقافة ممثلة في هيئة التراث ووزارة السياحة في إعداد ملف ترشيح عدد من القرى التراثية السعودية ضمن مبادرة القرى السياحية التابعة لمنظمة السياحة العالمية، ليقع اختيار المنظمة على قرية "رُجال" بفضل ما تمتلكه من تاريخٍ كبير وإرثٍ حضاري يمتد لما يقارب الـ 900 عام. ويؤكد هذا الإنجاز أهمية الالتزام بالاستدامة واستخدام السياحة كقوة للتغيير الإيجابي في المجتمعات، حيث اختارت منظمة السياحة العالمية رجال ألمع من بين 175 جهة مشاركة تمثل 75 دولة. وحصلت قرية "رُجال" على جائزة المدن العربية "مدن" نظراً لتراثها المعماري الغني، وجائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني في عام 2017.