الطموحات العسكرية
الأمر نفسه ينطبق على التعاملات المستقبلية مع روسيا، وتتسبب تحركات القوات الروسية على الحدود الأوكرانية حاليا في توترات بالغة بالمنطقة، وتعوّل واشنطن على التهديد بفرض عقوبات قاسية للسيطرة على الطموحات العسكرية المحتملة لروسيا، وتحتاج حكومة الولايات المتحدة أيضا إلى دعم ألمانيا والاتحاد الأوروبي، ففي النهاية يمثل حلفاء الناتو في أوروبا لموسكو شركاء تجاريين مهمين ومراكز مالية.
وفيما يتعلق بالتعامل مع روسيا، لا تزال أيضا القضية القديمة المتعلقة بخط أنابيب الغاز الطبيعي «نورد ستريم 2» مثار جدل.
ستفتقد بكين بشدة ميركل الآن، فرغم تعبيرها عن رأيها بصدق كانت تبدي دائما تفهما للصين، واتبعت معها سياسة متوجهة بصورة أكبر نحو الاقتصاد. لا تأمل بكين في أن يكون شولتس على دراية بمدى اعتماد ألمانيا على التعاون الاقتصادي مع الصين فحسب، بل سيكون من المهم بالنسبة لها أيضا أن يأخذ المستشار الجديد - على غرار سلفته - زمام المبادرة مع الصين وألا يترك إدارة العلاقة الصعبة في يد وزيرة الخارجية الجديدة، أنالينا بيربوك. ومن المعروف أن حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، المشاركين في الائتلاف الحاكم مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لا يريدان فقط الدفاع عن حقوق الإنسان، أو المضطهدين من الأويغور والتبتيين أو مواطني هونغ كونغ، ولكنهما يريدان أيضا الدفاع عن التجارة الحرة والوصول العادل إلى الأسواق، وبسبب التوترات مع الولايات المتحدة، تستعد بكين أيضا لأوقات صعبة، وذلك عبر تقليل اعتمادها على الخارج.
وفي ضوء التوترات الشديدة في السنوات الأخيرة، لا تتوقع روسيا أي تحسن جوهري في العلاقات مع ألمانيا.
نبرة ألمانية
ويؤكد محللون في موسكو أن روسيا تتمتع بوضع إيجابي نسبيا في اتفاق الائتلاف الحاكم الألماني، إلا أنهم يشيرون أيضا إلى نبرة وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك الحادة تجاه موسكو، خاصة رفضها خط أنابيب «نورد ستريم 2».
ورغم ذلك، يتوقع خبير الشؤون الألمانية في موسكو، فلاديسلاف بيلوف، أن يواصل المستشار نهج السياسة الخارجية لسلفته. ولا يرى بيلوف أي توجه نحو المصادمة تحت قيادة الاشتراكي الديمقراطي شولتس، ويقول رئيس مركز ألمانيا في المعهد الأوروبي التابع لأكاديمية العلوم الروسية: «أعضاء الائتلاف الحاكم لا ينطلقون من خطوط الحمراء، بل من نهج بناء».
وفيما يتعلق بالسياسة الأمنية، تراهن القوة النووية، روسيا، أيضا على نبرة أكثر احتراما في عهد وزيرة الدفاع الجديدة كريستينه لامبرشت، وكانت وزيرة الدفاع السابقة، أنيجريت كرامب-كارنباور، أثارت استياء موسكو على نحو متكرر بتصريحات مفادها بأنه يتعين على ألمانيا التحدث إلى «روسيا من موقع قوة».
تركيا
ومع وزارة خارجية تقودها زعيمة حزب الخضر، أنالينا بيربوك، قد تضطر تركيا إلى التكيف مع نهج أكثر صرامة للحكومة الألمانية الجديدة.
باريس اهتمت بالدرجة الأولى بتشكيل حكومة في برلين في أسرع وقت ممكن، لأن باريس ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في يناير المقبل، وباعتبارها الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي الأكثر اكتظاظا بالسكان، تحظى ألمانيا بأهمية خاصة في المشاريع الجديدة.
ومع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر - باعتبارها أحزابا مؤيدة لأوروبا - تتوقع فرنسا استمرارية السياسات الألمانية السابقة، حسبما يقول إريك-أندريه مارتن من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.
السؤال المفتوح
ويضيف مارتن: «إن شولتس بصفته سياسيا معروفا ومحنكا يمنح باريس بعض الأمان ويُنظر إليه على أنه الشريك المفضل»، في المقابل، أشار الخبير في العلاقات «الفرنسية- الألمانية» إلى أن السؤال المفتوح بالنسبة لفرنسا يظل ما إذا كان شولتس سيكون قادرا على الحفاظ على التماسك بين حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، المتباعدين سياسيا إلى حد كبير، كما تولي فرنسا اهتماما بالغا بكيفية توفيق الاستثمارات الضرورية في مجال حماية المناخ مع سياسة الديون الصارمة القائمة حتى الآن ومسار الاستقرار المالي.
كما تعتزم الحكومة الجديدة العمل من أجل حل الدولتين في الشرق الأوسط، أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومن المنتظر حاليا أن يحرز الجانب الفلسطيني «تقدما في الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ومن المتوقع أن تصبح مواقف وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة، أنالينا بيربوك، موضع اهتمام في إسرائيل، حيث دعت زعيمة حزب «الخضر» من قبل إلى وقف تسليم غواصات ألمانية إلى إسرائيل في 2018، لكن في النزاع الأخير مع حركة حماس في قطاع غزة، دعمت بيربوك بوضوح الجانب الإسرائيلي، وشددت على حق الدولة اليهودية في الدفاع عن نفسها. كما نأت بنفسها عن حركة مقاطعة إسرائيل «BDS». وفيما يخص بريطانيا، أصبحت بروكسل أهم شريك اتصال في الاتحاد الأوروبي، وغالبا ما تكون شريك الاتصال الوحيد لها في الاتحاد، أيضا لأن برلين لن تعرب عن رأيها في قضايا مثل تلك المتعلقة بأيرلندا الشمالية وحقوق الصيد. وقد تجاوزت نظرة رئيس الوزراء جونسون أوروبا منذ زمن طويل، وأصبح شعاره «بريطانيا العالمية»، ورغم إشادة وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس بالتعاون العسكري مع الناتو، فإنها بالكاد تذكر الاتحاد الأوروبي أو حتى ألمانيا.