[email protected]
لا أريد هنا التحدث عن ماهية الشعر، وانما أتحدث عن ماهية الشاعر، فمَن هو الشاعر الذي باستطاعته أن يؤثر في مجتمعه تأثيرا فاعلا وجيدا؟.. أنا أميل إلى ضرورة توافر الصدق الفني في أي عمل إبداعي، وبالتالي فلا بد أن يكون الشاعر صادقا مع نفسه ومع الآخرين أثناء «تعامله مع القصيدة» فلا يكفي أن يكون الشاعر ملما بأوزان الخليل، وأن تتوافر لديه موهبة فنية ورؤى خيالية معينة، ولكن لا بد أن يخضع الشاعر أثناء العملية الإبداعية للتجربة المباشرة، ولا أحسب أن ثمة إبداعا «صادقا» بمعزل عن التجربة المحسوسة الملموسة لما يعالجه الشاعر من شؤون وشجون في تضاعيف قصيدته، ومن جانب آخر فإنني أظن أن الشاعر الحقيقي الجيد لا بد أن يضيف شيئا جديدا إلى ما قاله غيره من الشعراء، أي أن يضيف إبداعا جديدا إلى إبداع سابق أو إبداعات سابقة، وإلا أضحى شعره مكررا ممجوجا، وإذا توالى التكرار بين الشعراء لصورة واحدة أو لعدة صور استخف به القراء أو المتلقون وانصرفوا عنهم بمحض إرادتهم ورغبتهم، فيغدو صمت هؤلاء الشعراء أو حديثهم سواء، على اعتبار أن الشاعر لا يكتب لنفسه عادة وإنما يكتب للآخرين.
الشاعر قد يمر بتجربة خاصة فيسجلها، فإذا سجلت «بصدق» وأمانة أضحت عملا إنسانيا خالصا، لأن التجربة التي مر بها لا يكون لها في هذه الحالة طابع فردي، بل «جماعي» فما يحس به الشاعر قد يحس به الآخرون، أي أن ما يمر به من تجربة خاصة قد تتحول إلى تجربة جماعية إذا توافرت فيها عوامل الصدق، فهو ملزم في هذه الحالة بإضافة لون جديد «حيوي» إلى لوحة تجريبية سابقة، بحيث يضفي الشاعر على هذه التجربة لونا جديدا يتعامل معه «المتلقي» بطريقة جديدة مغايرة لتعاملات سابقة.
[email protected]
[email protected]