والشاعر هنا يخاطب المتلقي للشعر، فكيف يهتز مَن يسمع شعرا؟ أنا أرى أن الشاعر هنا يعني بالهزة «الإعجاب» بمعنى أن الشعر إن لم يعجب المتلقي أو يستهويه، أو يحرك فيه شجنا «فليس خليقا أن يقال له شعر»، كما جاء في البيت، وهذا يقودني إلى الحديث عن «الشاعر المطبوع» وهو كما أرى ذلك الشاعر، الذي لا يهتم بصناعة الشعر، قدر اهتمامه بجودته وطلاوته وحسنه، فمَن «يصنع» الشعر أثناء كتابته لا يمكن أن يبلغ في الجودة مبلغ الشاعر «المجبول» على قول الشعر إن جاز القول، أي الشاعر «المطبوع» على قول الشعر بتلقائية وعفوية كبيرتين، وهو ذلك الذي يكتب الشعر دون تكلف أو تصنع.
لا يهم في عالم الشعر، أن يلم الشاعر بعلم العروض وأوزانه وزحافاته وعلله وأسبابه وأوتاده وضروراته، فهذه الأمور وغيرها تجيء بطريقة تلقائية إذا كان الشاعر موهوبا، أي إذا كان «مطبوعا» على قول الشعر، وهذا يعني في الوقت ذاته أن الإيقاعات الموسيقية تجيء هي الأخرى بطريقة تلقائية من خلال تضاعيف قصيدة الشاعر دون أن «يعصر» دماغه في استحضارها، بمعنى آخر فإنني أرى أن القصيدة المطبوعة هي تلك التي يرفرف على أجوائها «روح الشعر» أولا وأخيرا.. فما الفائدة المرجوة من قصيدة موزونة إذا كانت خالية من تلك الروح؟ إنها في هذه الحالة لن تهز المتلقي، ولن تحرك في نفسه شيئا، وها نحن نقرأ مئات القصائد الموزونة، ولكنها خالية من الشعر، لأنها مجرد كلمات صبت في «قوالب» عروضية دون أن نشعر فيها بروح الشعر، أي أنها لم تصدر من نفس شاعرة مطبوعة، وإنما صدرت من نفس تصنع الشعر وتكلفته.