تنتشر أسطورة الحب الرومانسي في كثير من الثقافات، التي تستمد أصولها من القصص الخيالية المفضلة في طفولتنا، حيث يعيش فيها الأمير والأميرة بسعادة، ما أن يلتقيا وإلى أبد الآبدين، وتخبرنا الأسطورة بأن لكل شاب في العالم فتاة قدَّر لها أن تعيش معه والعكس صحيح، وتشير الأسطورة بصورة ضمنية إلى أن رجلا بعينه قُدَّر له أن يعيش مع امرأة بعينها، وأن ذلك قد قُرره القدر مسبقا، وحين نلتقي ذلك الشخص تصبح الأسطورة حقيقة عبر وقوعنا في حبه، ونكون بذلك قد التقينا الشخص الذي اختارته السماء لنا، وسنكون قادرين على إرضاء جميع رغباتنا إلى الأبد، وسنعيش بسعادة دائمة وانسجام كامل، ولو قُدر ألا نرضي أو نلبي رغباتنا كلها، وأن يشب الخلاف بيننا ونخرج من حالة الوقوع في الحب لأصبح شعورنا عندئذ بأن خطأ فادحا قد ارتكب، وأننا أخطأنا في خيارنا، ولم يكن ذلك الشخص هو الأمير الأسطوري المناسب لنا، وأن ما ظنناه حبا لم يكن حقيقيا أو صادقا، وأن لا شيء يمكن فعله حيال هذا سوى البقاء بحالة حزن للأبد، أو اللجوء إلى الطلاق، ولهذا فإذا كانت بعض الأساطير رائعة وممتعة للخيال إلا أن أسطورة الحب الرومانسي كذبة فظيعة لما تسببه من فوضى ومعاناة هائلتين، إذ يستنزف ملايين من الناس قدرا كبيرا من طاقتهم باستماتة وبلا طائل في محاولة لجعل واقع حياتهم يتوافق مع لا واقعية الأسطورة، لأن تجربة الوقوع في الحب الأسطوري مهما كان مَن وقعنا في حبه ستكون مؤقتة على الدوام، وسنخرج منها عاجلا أم آجلا أيًا كان ذلك الأمير، إذا استمرت العلاقة طويلا بما يكفي، ولا يعني ذلك أننا سنتوقف عن حب الشخص، الذي وقعنا في حبه، ولكنه يعني أن الشعور بالنشوة الذي يميز تجربة الوقوع في الحب يتلاشى على الدوام، إذ ينتهي شهر العسل دائما ويتبدد زخم الشاعرية على الدوام. فالجميع يرغب أن يكونوا محبوبين لكن الكثير منهم لا يكونون كذلك في الحقيقة، مما يقودنا إلى استنتاج أن الرغبة في الحب لا تمثل بحد ذاتها حبا، إذ لا يجسد الحب الحقيقي إلا فعل المحبة، ويترجم ذلك في الاستعداد، الذي يشمل امتلاك النية، والقدرة على الفعل في آن معا، ولذا لن يكون مهما اعتقادنا بأننا محبون إن لم نكن محبين في حقيقة أفعالنا، إذ تستلزم تجربة الحب الحقيقي توسيعا لحدود الذات، عن طريق التقرب من المحبوب والرغبة في تعزيز نمونا ونموه، ولهذا فإن تعريف المحبة يتضمن بذل الجهد، وحين نوسع حدود ذاتنا ونقطع ميلا إضافيا، فنحن نتجاوز نطاق خوفنا نحو الشجاعة، ونتجاوز قصورنا الذاتي المتمركز حول الكسل لنتجاوزه نحو العمل، فالمحبة لا تخرج على الدوام عن نطاق العمل أو الشجاعة، وإذا خرجت حكاية الحب عن ذلك النطاق فإنها لن تكون تجربة حقيقية للمحبة.
@LamaAlghalayini