- لا! لن أسرق!
يطبّع البعض الفساد عن قصد أو عن غير قصد بمثل هذا التساؤل «بالله لو كنت مكانهم ألن تفعل فعلهم؟» أو «المال السائب يعلم السرقة»، مع أن الفساد يظل فساداً مهما برر له، ومهما كان عدد الفاسدين.
في تاريخنا العظيم قصة طريفة ذكرها شهاب الدين الأبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف تقول: دخل الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- المسجد، وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد: أمسك عليّ بغلتي، فأخذ الرجل لجامها، ومضى وترك البغلة، فخرج أبو الحسن -رضي الله عنه- وفي يده درهمان ليكافئ بها الرجل على إمساكه بغلته، فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى، ودفع لغلامه درهمين يشتري بهما لجاماً، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال علي -رضي الله عنه-: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر ولا يزداد على ما قدر له.
كم من إنسان بدأ طيباً ونقياً ولكنه استعجل الوصول، فسلك طريقاً ظن أنه الأسرع نحو النجاح الدنيوي، فكان الأسرع نحو السقوط والانهيار، والأسوأ من الفساد هو تطبيع الفساد والظن بأن الجميع جاهز له، وهذه مشكلة أكبر علينا وعلى أجيالنا القادمة، ولن أقول إن البعض يرى الناس وفق طباعه، فإن كنت جاهزاً للسرقة، فالآخرون ليسوا كذلك، ولكن أظنها استسلاما لما يُطرح ويقال، وإلا فالقائل لن يسرق حتى لو أتيح له المجال.
هذا المجتمع الفساد فيه شاذ، فهو ملتزم بعقيدة قوية تربطه بربه مباشرة، وتجعل الرقابة عليه رقابة ربانية بلا كاميرا «وهو معكم أينما كنتم»، وتحذر أشد التحذير بأن كل إنسان مهما استمتع بالمال المسروق سيرتهن بعمله ويحاسب عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، بالإضافة إلى قيم سامية تحث على العطاء، وتأنف من أكل أموال الناس بالباطل.
الأهم من تجنب الفساد ألا نطبّع الفساد أمام أبنائنا من خلال مجالسنا ومؤسساتنا التعليمية وما نسمح لهم بمشاهدته بدون أي توجيه، فالفساد يظل طريقاً وعراً، ويظل طريق الصلاح الأجمل والأكمل والأنقى مهما كذب الفاسدون وقالوا.
@shlash2020