صحبتي للمتنبي منذ صغري إلى اليوم، وأستطيع القول إنه عظيم الشعراء على مدى التاريخ، ولو أنه وجد في أمة الإغريق أو اليونان لجعلوه في مصاف الفلاسفة، الذين صنعوا تلك الحضارات الضاربة في القدم.
إن أردتم الوصف فاقرؤوا معي قول أبي الطيب عندما يصف لنا حال رجل أصابه الظمأ والعطش الشديد، فمد يديه إلى الدنيا يستسقي الماء، فإذا بها تمطره بالمصائب!:
أظمتني الدنيا فلما جئتها**مستسقيا مطرت علي مصائبا!
ووصفه لما أراد مدح سيف الدولة، فيذم السيوف التي تظن أن سيف الدولة واحد منها، فكذبها أبو الطيب، وزاد على ذلك بأن وصفها بالابتسامة في أغمادها إذا سمعت اسم سيف الدولة.. قال صاحبي:
أتحسب بيض الهند أصلك أصلها**وأنك منها؟ ساء ما تتوهم!
إذا نحن سميناك خلنا سيوفنا**من التيه في أغمادها تتبسم!
فهل تخيلتم سيوفا تتبسم من التيه والفخر وهي مغمدة؟!.
وكم رددنا حكم أبي الطيب، مثل:
والهجر أقتل لي مما أراقبه**أنا الغريق فما خوفي من البلل!
الذي يغوص في المصائب إلى أنصاف أذنيه، ويغرق فيها، فكيف يخشى من بلل ثيابه؟ وهو يشكو هنا هجر محبوبته، ويخاف قومها إذا زارها، ثم يعود فيذكر أن هجرها أقتل له من مراقبة قومها، الذين لن يستقبلوه إلا بسيوفهم ورماحهم!:
متى تزر قوم من تهوى زيارتها**لا يتحفوك بغير البيض والأسل!
وإن أردنا الغزل، فسامحه الله، حيث لم يفرد قصيدة كاملة في هذا الفن، وأظنه لم يفعل رحمة بقلوب العشاق، ولن أستطيع تجاوز قصيدته الرائعة حتى أشاركه حزنه:
وما صبابة مشتاق على أمل**من اللقاء كمشتاق بلا أمل!
فالمشتاق الذي يعيش على أمل لقاء مع محبوبه، ليس كالذي يشتاق بلا أمل.
تحية من القرن الخامس عشر الهجري إلى أبي الطيب، أحمد بن الحسين!.
[email protected]