وصلتني رسالة مخالفة قطع إشارة مرورية، وكانت مستفزة للغاية حيث إنني لا ارتكب مثل هذه المخالفة المشينة، التي تهدد الأرواح والممتلكات بالضرر، فمن غير المعقول والمقبول أن مثلي يقوم بذلك العمل المتصف بالاستهتار واللامبالاة، فخطأ أنظمة الرصد في المرور قد تتسبب بإعطاء المخالفات الخاطئة، التي يشتكي منها العديد من الناس، حينها بدأت في حملة انفعال نفسية وشعبية في أوساطي الأسرية والاجتماعية والمهنية وتوضيح براءتي والتجني علي، وقد لاحظت مدى وقوف الآخرين بجانبي ومواساتي وأيضا شحني سلبيا اتجاه أنظمة المرور وأدواتها ورجالها في الرصد والتصيد على المواطن من أجل التحصيل المالي لا التنظيمي، ودفعوني للاعتراض على المخالفة عبر وسائل الاعتراض والتوجه لإدارة المرور والعمل بجدية لإزالة هذه المخالفة.
توجهت إلى إدارة المرور بكل فخر واعتزاز وقوة منطق واحتجاج والنتيجة النهائية محسومة في مخيلتي بخطأ رسالة المخالفة، والرجوع إلى الأهل والأصدقاء بالنصر المؤزر والفوز الحاسم بحذف مخالفة قطع إشارة المرور، واعتذار إدارة الرصد عن سوء التوجيه وخطئها في وجود خلل في أنظمة كاميرات الرصد والعمليات الإلكترونية، وحينها أكون بطل المجالس في التشنيع والتشهير ضد أخطاء إدارة المرور، وأن وراء كل حق مطالبا، وحينها يتم التصفيق لي ووصفي بالخطير، وتمنيات الجميع لو يكون من أمثالي الكثير والكثير، وبعد كل هذا الخيال الجميل عدت إلى انتباهي وسألت عن قسم الاعتراض وشرحت للموظف موضوعي وقدمت له الرسالة، التي وصلتني، وقال لي لحظة وبعدها وجه شاشة العرض إلى جانبي وكانت المفاجأة المفجعة، فقال لي كيف ترى ذلك؟ وهل أنت هذا أم لا؟ وأعاد المشهد أكثر من مرة ومن كل الاتجاهات، وكانت الصدمة التي لا تصدق والفعل، الذي لا يغتفر والقبح الذي يقطع اللسان عن الكلام.
لقد كانت صدمتي أنني كنت أشاهد نفسي ذلك المجنون، الذي فقد عقله في سرعة مذهلة وقلة تركيز وإمعان وتقدير، لمحاولة تجاوز الإشارة قبل إقفال المسار، غير عابه بسلامة نفسه وسلامة الآخرين، لقد كان منظر التجاوز لقطع الإشارة المرورية واضحا من غير لبس ولا ريب، ولكن المدهش في الأمر والعجيب في الفعل عدم الشعور بالذنب في حينها واستبعاد احتمال الوقوع في الخطأ على النفس أو على الآخر، واستنفار كل وسائل التبرير عند وصول رسالة المخالفة المرورية.
فإذا كان الحال هكذا مع ردة فعل رسالة مخالفة قطع إشارة مرورية رصدتها وسائل التقنية، التي هدفها حماية الفرد والآخر من الوقوع في الضرر وتقرير المتسبب في التجاوز ورصد مخالفة عليه، فكيف سوف نقنع أنفسنا برصد عشرات الهفوات والأخطاء اليومية الصادرة من سلوكنا سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة وواعية كانت أم غير واعية، في الإساءة والعنف والتجاوز والتقصير اتجاه الأسرة والمجتمع وبيئة العمل والوطن، وهل من المعقول أن تتوسع دائرة الرصد والتصوير لتشمل كل نواحي بيئة حياتنا العائلية والمجتمعية والمهنية والاقتصادية والوطنية، من أجل إيقاع المخالفات المستفزة لنا، التي بعدها يتوجب علينا الاعتراض عليها لرفضها أو قبولها من أجل إيقاظ حواسنا ووعينا النائم والغائب، الذي فقد التمييز في القدرة على الضبط والتحكم والإحساس بما يخالف الذوق العام والخاص.
[email protected]