القول إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأمثل للأمم والشعوب، وإن هذا الاستثمار لا يكون إلا بتعليم هذا الإنسان، وإعداده لدوره في الحياة، هو قول بل اعتقاد تجمع عليه الأمم والشعوب، ولذلك نجد أن التعليم ومؤسساته سواء في التعليم العام أو العالي وكذلك مؤسسات التعليم الفني والتقني ومؤخرا التعليم الرقمي تحظى بأقصى قدر من الاهتمام، وتحظى كذلك بالنصيب الأكبر في ميزانيات الدول بمختلف مستوياتها الاقتصادية والمالية وهي كذلك في ميزانية المملكة أيضا. ولا شك أن التقدم الحضاري الذي أحرزته دول العالم الصناعية المتقدمة لم يكن إلا نتيجة لإدراك هذه الأمم لهذه الحقيقة، وعملها على توافر سبل جعلها أنموذج حياة وخطط عمل يجري تنفيذها بكل اهتمام، وتُسخر لها الإمكانيات التي تجعلها تحقق أهدافها والغاية من وجودها ومع ذلك فإن التعليم حتى يحقق هذه الغاية لا بد أن توضع له المناهج التي تكفل أن تكون مخرجاته على المستوى المطلوب، وأن تلبي هذه المخرجات حاجة المجتمعات للتقدم والتطور والبناء والانتقال الحضاري المطلوب غير أن السؤال المهم يظل هل تصل مخرجات التعليم إلى هذا المستوى؟، وهل هي فعلا كفيلة بتحقيق الطموحات؟، وهو سؤال لا يجوز أن يكون الجواب عنه من خلال الانطباعات أو بناء على العواطف والتمنيات، بل لا بد أن يكون مبنيا على أسس علمية تتم وفق معايير محددة تقيس هذه المخرجات بغرض الحكم عليها، ولا شك أن هذه المعايير لا بد أن تتسق مع ما وصل إليه العلم في كافة المجالات، وكذلك مع تغير حاجة المجتمعات وحلول مهارات عملية جديدة محل غيرها، مما ينبغي معه التعرف على الاحتياجات التي لا بد من توافرها لدى مخرجات التعليم من الطلبة حتى يكونوا قادرين على القيام بدورهم في المجالات التي يعدهم المجتمع ليكونوا عاملين أكفياء وفعل كل شيء ممكن من أجل اكتسابهم لهذه المهارات، وهذا الكلام يعني أن من يضع هذه المعايير لا بد أن تكون أمامه نظرة واضحة لاستجابة مخرجات التعليم مع حاجات سوق العمل، وهو الأمر الذي افتقدناه إلى درجة كبيرة في عديد من المجتمعات، وكان سببا للبطالة وسوء توزيع المخرجات في كثير من بلدان العالم الثالث على وجه الخصوص، ولعل هذا يكون أكثر ضرورة في البلاد النامية خاصة تلك التي تتوافر فيها الإمكانيات المادية لتهيئة مؤسسات التعليم لهذا الدور ويبقى أن تتم بعناية عمليات تقييم واقع التعليم ومدى استجابته بوضعه الراهن لحاجة المجتمع ومتطلبات تطويره وذلك يقتضي الاهتمام بالمهارات والكفاءات وليس الاكتفاء بالمعارف النظرية التي لا تكفي وحدها لتحقيق الغايات من التعليم وإعداد المتعلم لدوره في ميادين العمل والبناء، كما أن المطلوب هو ألا تتوقف عملية التقويم عند مرحلة معينة، بل ينبغي أن تكون عملية مستمرة، وفيها من المرونة ما يجعل المعايير التي توظفها في عملها مناسبة لطبيعة كل مرحلة واحتياجاتها.. ولقد كانت بلادنا من البلاد الأكثر اهتماما في هذا المجال من خلال إنشاء (هيئة تقويم التعليم) التي عنيت الدولة أن توفر لها الإمكانيات المادية والبشرية والتقنية التي تهيئ لها الظروف المناسبة لتحقيق الغايات التي وجدت من أجلها والتي تجعلنا نثق -بإذن الله- أن المستقبل سيكون أفضل، وكما يُريد المخلصون من أبناء الوطن.
@Fahad_otaish